"دولة الخلافة آتية"

لم يكن ثمة جديد في خطاب الحركة الإسلامية خلال مسيرة استرداد الشرعية، باستثناء "البشرى" التيزفها لنا المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين همام سعيد، باقتراب دولة الدولة الاسلامية، وتطبيق الشريعة.عدا عن ذلك، كان الحضور أقل من التوقعات بكثير، ولم يتجاوز، بحسب شهود عيان، أربعة آلاف مشارك، رغم التحشيد الكبير، والتجهيزات اللوجستية التي كانت تشي بعدد أكبر ممن حضروا بكثير، والهدف بث رسالة قوية للدولة بأن الإسلاميين باقون في الشارع للمطالبة بالإصلاح.الحديث عن اقتراب دولة "الخلافة" فيهذا الوقت، يتطلب استحضار كل تصريحات القيادات الإسلامية عن الدولة الديمقراطية والمدنية، ويجعلنا نتساءل مجددا عن ضمانات إقامة الدولة المدنية التي تحمي الحقوق وتكفل الحريات، وتمنع جهة من الاستحواذ على السلطة والقرار.لنأخوض في مدى سيطرة الإخوان على الشارع والمجتمع الأردنيين، فهذه نقطة خلافية، لكنهم بالضرورة لا يمثلون تطلعات وطموحات غالبية الأردنيين.لعبةالسياسة تقتضي تقديم طروحات متوازنة لا ترعب الآخر ولا تنفره، وتجعله قلقا على المستقبل، لاسيما أن الأردن بلد له طبيعته وخصوصيته التي نشأ عليها، واستطاع على مدى عقود تجسيد التآخي والتعايش بين أطياف المجتمع المختلفة. والدعوة إلى غير هذه المعادلة والوصفة لن تجلب خيرا.بالعودةإلى طرح الشيخ الفاضل حول دولة الخلافة، يلزم استحضار ما يحدث في مصر وتونس وغيرهما من دول الربيع. فاليوم،بعد تولي الأحزاب الإسلامية للسلطة هناك، بدأنا نشهد صراعات بين أنصار الدولة الدينية وبين أنصار الدولة المدنية والتعددية التي تحتضن الجميع، وتقيّم الفرد بناء على انتمائه وعطائه، لا دينه ومعتقداته.هذاالنوع من التصريحات يثير مخاوف كثيرين ممن يؤمنون بالتوافق والتصالح بين مختلف الأطياف. فاحتكار الرأي وفرضه على الآخرين، لا يختلف في شيء عن سلطة تفرض قانونا بعينه.الأولى في هذه المرحلة الحساسة أن توجه الدعوات إلى التوافق لا الفرقة، وأن نحسم هذا الخلاف متعظين بتجارب الدول الأخرى التي دخلت في دوامة صراع لا يتوقع أن تخرج منها قريبا.اليوم،تُطرح مجموعة من الأسئلة المشروعة على الحركة الإسلامية يلزم تقديم إجابات شافية عنها، بحيث يطمئن الجميع، ومن ذلك: ماهو مصير كل الشعارات التي طرحت في مرحلة الحراك السياسي، وخصوصا تلك التي تطالب بالعدالة واحترام الحقوق، بما فيها حق التعبير، والحريات الشخصية، ودولة القانون والمؤسسات؟وبالحديث عن دولة الخلافة، هل سيتبخر الحلم بالدولة الديمقراطية التي تمنع احتكار الدولة والسلطة من قبل جهة بعينها، غصبا وفرضا، خصوصا أن المطالبة بدولة ديمقراطية تقود إلى تحقيق رغبات الجميع، والاستجابة للصالح العام للمجتمع؟والمخاوف التي يثيرها الحديث عن دولة الخلافة، تفتح الباب على التفكير في معارضتنا الوطنية وقدرتها على أن تكرس الحكم الرشيد، وتفويض السلطة وانتقالها؛ ومدى قدرة هذه المعارضة على إتاحة الفرصة للتنافس الحر الخلاق بين الأفكار السياسية المختلفة.كذلك، ما مصير الحوار الذي يحدد لنا المستقبل، طالما أن البعض قد حسم الخيارات؟ وكيف سيكون التعامل مع الآخر؟ وكيف يستطيع طرف ما الاعتقاد بأنه يحتكر الحقيقة والخيار الصحيح، فيما الآخرون عاجزون؟ألم نتعلم من تجارب الأمم التي سعت إلى دولة دينية، فندرك كيف كان هذا الخيار دائما مصدرا للصراع والاختلاف والخلاف، وفقدان الثقة، وإرهاب المجتمع بكل أطيافه؟!jumana.ghunaimat@alghad.jo