أهداف قابلة للحياة

 

 لم يكن قرار إغتيال الرئيس الراحل ياسر عرفات قرار إسرائيلي منفرد إتخذه شارون وحده ونفذته أجهزة تل أبيب الأمنية والعسكرية ، بقدر ما كان قرار متفاهم عليه مع الأميركيين صراحة أو ضمناً في عهد الرئيس بوش ( نيسان  2004 ) ، وتم في غياب الإحتجاج الرسمي العربي ، وبصمت زعمائهم الذين قاطعوا أبو عمار في ذروة الحصار ، سياسياً وشخصياً ، ولم يكن ذلك لا صدفة ولا ترفعاً ، بل كان قرار العرب مقاطعة " المقاطعة " إنسجاماً مع حصار إسرائيل لقائد " المقاطعة " ، وذلك بهدف واضح لتغيير الموقف التفاوضي الفلسطيني ودفعه نحو الليونة وتقديم التنازلات للعدو الإسرائيلي .

ولم يكن قرار ، تجفيف موارد منظمة التحرير ، وإضعاف سلطتها الوطنية شعبياً ومالياً ، وجعلها في وضع تتصادم فيه مع النقابات والقوى الحية التمثيلية  للموظفين ، سوى قرار إسرائيلي ، تجاوبت معه واشنطن بشكل أو بأخر ، ونفذته عواصم الثراء العربي العاجزة عن دفع مائة مليون دولاً شهرياً لمنظمة التحرير ، تنفيذاً للرغبة الإسرائيلية ، مقابل سخاء عواصم الخليج العربي الثرية في تمويل متطلبات تغيير الأنظمة الجمهورية ، فقد سبق وأعلن الرئيس الليبي الأنتقالي مصطفى عبد الجليل شكره لدولة قطر لأنها قدمت للمعارضة الليبية مبلغ ملياري دولار لإسقاط القذافي ، في نفس الوقت الذي تلتزم فيه قطر بدفع مبلغ أربعة ونصف مليون دولار شهرياً للسلطة الفلسطينية وهو مبلغ تدفعه لصحفي يظهر على شاشة الجزيرة .

واشنطن ، أعلنت من خلال الناطقة بإسم وزارة الخارجية فيكتوريا نولاند " أن موقف الإدارة الأميركية ، ومفهومها ، لم يتغير نحو معنى الحيوية والقابلة للحياة في وصف الدولة الفلسطينية المستقلة ، وأن الإستيطان ينال من هذه الحيوية ويتعارض معها ، وقد عبرنا عن قلقنا تجاه الإستيطان بشكل مستمر ، وهذا ما قلناه مراراً في وصف النشاط الإستيطاني بما يشمل منطقة ج 1 " كما أكدت أن وزارة الخارجية " تبذل جهوداً مكثفة مع الكونغرس من أجل إستكشاف سبل حل الأزمة المالية الفلسطينية ، والإفراج عن الأموال التي جمدها الكونغرس "  .

موقف الإدارة الأميركية من مسألتي التوسع الإستيطاني الإسرائيلي على أرض فلسطين ، والعمل على الأفراج عن الأموال الأميركية المجمدة لصالح منظمة التحرير وسلطتها الوطنية أمر في غاية الأهمية ، يعكس القرار الأميركي ، وتداعيات ذلك على مجمل القرار الدولي وفي طليعته القرار الأوروبي وقرار النظام العربي .

لقد تم إسقاط الأنظمة العربية وتغييرها بمشاركة الإخوان المسلمين بقرار دولي ، نفذته مؤسسات المجتمع المدني والجيش في كل من تونس ومصر ، وحينما تعذر ذلك في ليبيا بسبب تحكم أولاد القذافي بالمؤسسة العسكرية والأمنية ، تم التدخل العسكري الدولي الأميركي الأوروبي المباشروبتمويل خليجي لإسقاط القذافي وقتله ، ورحل علي عبد الله صالح بتسوية تحت غطاء وتفاهم دولي أميركي أوروبي خليجي ، بينما فشلوا لهذا الوقت في إسقاط النظام في سوريا ، لأن ثمة قرار دولي روسي صيني إيراني داعم لنظام بشار الأسد يوازي الجهد الأميركي الأوروبي الخليجي العامل على إسقاطه ، الأمر الذي يدفع نحو التوجه لإيجاد تسوية شبيهة بما جرى في اليمن ، بين المعسكرين ، معسكر موسكو وحلفائها ، ومعسكر واشنطن ومن يتبعها ، للخروج من مأزق سوريا المدمر ، حيث لا تلوح في الأفق حل عسكري جذري ، وفشل من قبل أحد الطرفين لحسم الوضع على الأرض لصالحه كما حصل في ليبيا .

ما زالت الكارثة ، موجودة ، تتمثل برضوخ المنطقة العربية وتحكم القوى الدولية النافذة بها على حساب مصالح العرب وكرامتهم وإستقلالهم ، وما زال العامل الذاتي هو الحلقة الضعيفة على طاولة الأهتمامات والتسويات الدولية ، من هنا لا بد من العودة للعامل الذاتي الفلسطيني على الأرض ، فهو المحرك وهو الأداة وهو الهدف ، لكنس الأحتلال وإجتثاث المشروع الأستعماري التوسعي الإسرائيلي برمته ، فالعامل الفلسطيني هو صاحب الحق والمطالبة بإسترجاعه ، حق العودة للاجئين وإستعادة ممتلكاتهم في اللد والرملة ويافا وحيفا وبئر السبع وصفد وكل ثنايا الأرض الفلسطينية ، وحق إقامة الدولة وفق قرار التقسيم 181  والإنسحاب 242 والدولتين 1397 ، وحق المساواة في مناطق الأحتلال الأولى عام 1948 ، لأبناء الجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل المختلطة ، بدون ذلك لن يستقر الأمن والطمأنينة لا للفلسطينيين ولا للإسرائيليين مهما إمتلكت إسرائيل من عوامل القوة ، حيث سيبقى الصراع قائماً بين العدل وبين القوة ، إلى أن ينتصر الحق والعدل الفلسطيني .