في "الثلجيّة" وخواطر تكنولوجية!

سمعنا وقرأنا أثناء المنخفض الجوي الأخير عدة "تطمينات" صدرتعن مؤسسات حيوية عامة، ولاسيما تلك التي تقوم بتقديم خدمات محسوسة ولصيقة بحاجات المواطنين. وكانأهم تصريح بالطبع لنقيب أصحاب المخابز الذي قام على وجه السرعة بطمأنة الجمهور إلى كفاية مخزون البلاد من القمح وتوافر الخبز. لكنني، وعلى نفس هذه الشاكلة، توقعتُ تواصلا من مؤسسات قطاعنا عن وضع ومخزون البلاد الإلكتروني! أوعن جاهزية شبكات الإنترنت وخطوط الاتصالات، أو عن وضع المحطات، وغيرها من المؤشرات الواقعية التي يتم قياسها في أوقات الأزمات بهدف التطوير، مثل تقارير عن عدد الشكاوى ونوعها، ونسب قياس أداء الشبكات، وغيرها من الإحصاءات.لكن أهم مكسب لي في "الثلجية" كان انكفائي الاضطراري في المنزل، ما مكنني من قراءة نحو ثمانين صفحة من مسوّدة الاستراتيجية الوطنية المُقترحة لقطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في الأردن، بنسختها الأولى باللغة الإنجليزية. وهي في الواقع دراسة رصينة، فيها توافق عام على الخطوط العامة لعمل القطاع للأعوام 2013-2017، ونُوقشت من قبل معظم أصحاب العلاقة، وهم من ممثلي القطاع العام، وشركات القطاع الخاص، وشركات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، ومن مؤازري القطاع والمؤسسات المعنيٍة بتطوير الشأن التكنولوجي في المملكة. وملخص الاستراتيجية: تحديثُ القطاع وخطابه وتسويقه وشركاته، والاستثمار في البنية التكنولوجية والتحتية، وتعظيم خدمات شبكات الاتصالات والإنترنت، والملكيٍّة الفكرية والموارد، وتعزيز التنافسية، وغيرها الكثير المفيد. ومابين قراءتي لصفحات استراتيجية وطنية طموحة رفيعة المستوى وبين حال الطقس، تبيّن كم أنّ الواقع من حولي في تلك اللحظة لا يُمثل إلا جزئية من هذا السرد الرفيع. ففيحقيقة الأمر، لو استمر هطول الأمطار والثلوج أكثر ممّا فاضت علينا به السماوات الكريمة، لكان ذلك سيُشكل، للمرة الأولى ربما في الأردن، "حالة طوارئ" على مستوى المعلوماتية، وخسائر فادحة بالاقتصاد، نظرا لازدياد الضغط على الشبكات التحتية وأعداد المستخدمين، وأعمال الصيانة القديمة المُتعثّرة.أمّا عن تقريري الشخصي لأسبوعي الثلجي من المنزل (وهو يقع في منطقة حيويّة)، فهو كالآتي: ضعف عام في قدرات الأحمال الكهربائية؛ انقطاعات (جزئية) في التيار الكهربائي صباحا؛ انقطاع في الإنترنت اللاسلكي بالذات مع الشركات الأضعف؛ إمكانيّة استخدام محدودةللإنترنت، حتى من قبل شركات الاتصالات الكبرى، على "GSM"؛ التغّطية خارج الشبكة لمعظم مكالمات المحمول؛ الرسائل القصيرة ترحّلت لساعات. وعند الاتصال بمراكز الشكاوى، كانت الموظفة "معطلة". وللأمانة، "صمد" الهاتف الثابت طوال الوقت!وما بين قراءة الاستراتيجية وعجزي عن التواصل لاختفاء الإنترنت، راقبت (بجزع) لعبالأطفال وتراشق طلقات كرات الثلج بالقرب من صندوق الاتصالات المفتوح قرب سور منزلي، وفيه أسلاك الهواتف والـ"ADSL" مُعرّضة لحيّ بأكمله! الآن،وأنا على رأس عملي وأتنفس الصُعداء بمرور الأسبوع، ما أزال إلى الساعة أرى (بفزع) أكثرمن سيناريو كان من السهل وقوعه إضرارا بشبكات الكهرباء المركزيّة في الأحياء (والكثيرمنها بلا حراسة)،وببعض صناديق الاتصالات المكشوفة، وأفكّر في أحوال البنية التحتية عندنا والماء يختلط بالتراب والثلح والأسلاك وغيرها!أسبوعُالثلج "مرّ على خير". ولكنتأكّدت معه قناعة "مفصليّة"، وهي أن حقوقا جديدة ومكتسبة في مُلكية التكنولوجيا والإنترنت والتواصل المعرفي الإلكتروني، وفي حرية التعبير على "فيسبوك"، كلها أصبحت اليوم من الحقوق الأساسيّة للملايين من الأردنيين، تماما مثلها مثل الخبز، والبسكويت أيضا!*خبيرةفي تكنولوجيا المعلومات