عن جمال عبدالناصر.. بالمناسبة
عامان بعد ثورة 25 يناير كان لسيرة جمال عبدالناصر ومسيرته، تاريخ ودور ومكانة... مذاق خاص، رغم اختطاف الثورة من قبل جماعة الاخوان المسلمين الذين استطاعوا بخبث سياسي (وغير سياسي) ان يصادروا مفاعيل الثورة واهدافها النبيلة وان يحكموا قبضتهم على مفاصل الدولة المصرية بغية «اخونتها» ووضعها في خدمة مشروعهم الاستحواذي، الذي بدأ كثيرون من السذّج وطيبي النيات والبسطاء باكتشاف الخطأ الذي وقعوا فيه عندما «صوّتوا» لصالح جماعة الاخوان المسلمين وذراعهم السياسية المعروفة بحزب «الحرية والعدالة» سواء في اول المشوار (استفتاء 19 مارس 2011 على التعديلات الدستورية المنسّقة إخوانياً مع المجلس العسكري) ام في انتخابات مجلسي الشعب والشورى (في تجسيد للمقولة الشعبية «غير الصحيحة بالمناسبة» ان الاخوان بتوع ربّنا)!!
وتاليا انتخابات رئاسة الجمهورية عندما وقف المصريون كافة أمام خيار هو الاصعب والاقسى والامرّ وهو الاختيار بين الاسوأ والاسوأ (كما تبين لاحقا وربما اثناء المعركة الانتخابية، لأن تاريخ الاخوان السياسي.. معروف، وثقافتهم القائمة على الاقصاء والاستحواذ والثأرية ) دع عنك الانتهازية ومغازلة الانظمة القائمة) سائدة في صفوفهم سواء كانوا مطاردين او خلف القضبان أو عندما يُؤْثِرون الصمت ويمتهنون مبدأ «التقية» في تعاطيهم مع القوى السياسية المعارضة.
لم نبتعد كثيرا عن موضوعنا لان عداء الاخوان وحقدهم على جمال عبدالناصر (الذي نحتفل اليوم بذكرى مولده 15/ 1/ 1918) لا يعرف حدودا وهم واصلوا منذ اكثر من ستة عقود حملة تشويه واساءة واغتيال معنوي وسياسي له ولم يكونوا قد وصلوا الى الحكم بعد (وربما لم يكن في خيالهم حتى انهم سيتمكنون من الامساك بها وخصوصا في مصر لكن الرياح المحلية والاقليمية وخصوصا الاميركية جاءت بما تشتهي سفنهم)، ما بالك انهم الان قد باتوا في صدارة المشهد ولم يضيعوا لحظة واحدة بعد «انتصارهم» (الذي سيكتشفون لاحقا انه انتصار بطعم الهزيمة وخصوصا بعد ان تنكروا لوعودهم ولم يفوا بعهودهم وراحوا يتصرفون وكأن مصر عزبة لهم) فأداروا معركة تصفية حسابات مع عبدالناصر شخصياً ومع ثورة 23 يوليو خصوصاً, حيث لم يكد الرئيس الاخواني يجلس في قصر الاتحادية (30/ 6/ 2012) حتى جاءت ذكرى الثورة بعد ثلاثة اسابيع, فاذا به يُبدي ازدراء لها ولزعيمها الخالد ولم يكلف نفسه عناء الاشارة اليها أو التنويه بدورها في نقل المجتمع المصري الى افاق التطور والحرية والكرامة ومجانية التعليم (الذي استفاد موسى منه شخصياً) كذلك في توزيع الاراضي الزراعية على الفلاحين (وعائلة مرسي منهم) زد على ذلك التصنيع وبناء السد العالي وغيرها من المنجزات التي ما يزال المصريون الفقراء ومَنْ انتمنى منهم الى الطبقة الوسطى (أو ما تبقى منها) يحنون اليها.
راح الرئيس مرسي يتندر على الثورة ويغمز من قناة رئيسها ويتساءل في استنكار (الستينات.. وما ادراك ما الستينات) ثم فاجأنا جميعاً (مصريين وعرباً) عندما زار ضريح السادات (بطل كامب ديفيد وليس «بطل» العبور فحسب) كي يمنحه اعلى الاوسمة وانواط الشجاعة, ويسدد بذلك استحقاقات التحالف المشبوه الذي ربط الاخوان المسلمين بالسادات, سواء عندما استخدمهم (كميليشيات وأدوات) لضرب القوى الناصرية واليسارية والوطنية المصرية, بعد أن اطاح برفاقه في الحكومة والاتحاد الاشتراكي ومجلس الثورة في ما عرف بمؤامرة مراكز القوى (سبعة اشهر فقط بعد وفاة جمال عبدالناصر في 28/ 9/ 1970) وبدأت المواجهات الجامعية ثم اطلت الفتنة الطائفية برأسها في السنة ذاتها (احداث الزاوية الحمراء) وبدأت من يومها مسيرة التكفير وتخوين الاقباط وهدر دمائهم واعتبارهم اهل ذمة وغيرها من تلك الاوصاف التي رعاها أو اشرف عليها أو اطلقها «الرئيس المؤمن لدولة العلم والايمان.. كبير العيلة انور السادات».
واذا كان الاخوان ومن رعاهم من الانظمة والوكالات الاستخبارية قد «أسرفوا» في مزاعمهم عن علاقة جمال عبدالناصر بالاميركان (وما ادراك ما الاميركان) وراحوا يتحدثون عن ما يلز كوبلاند ويروّجوا لكتابه الشهير «لعبة الامم».
رغم كل «الاذى» الأميركي والاستعماري الغربي الذي لحق بعبدالناصر شخصياً ومشروعه القومي النهضوي التحرري وصولاً الى الضربة الموجعة بل القاصمة في 5 حزيران 1967, فإن عليهم الان أن يتوقفوا عن استهبال الجمهور واستعباطه والاقلاع عن محاولاتهم المعروفة لإلغاء عقول الناس وإلباس خطابهم عباءة الدين, وبخاصة بعد أن انكشفت علاقتهم بالاميركيين وتهافت شعارهم التعبوي الذي «نسوه» منذ عامين «خيبر خيبر يا يهود.. جيش محمد سوف يعود».
ويجيبوا على الاسئلة الكبيرة التي ما تزال بغير أجوبة يواصل «الاخوان» التهرب منها.
ماذا عن اسرائيل وكامب ديفيد وفلسطين من النهر إلى البحر، الوقف الإسلامي الذي لا يجوز التنازل عنه أو التفريط به.. ورأس الحية الاميركية؟ وأين وصل مشروع النهضة الذي جاء مرسي على جناحيه؟ دون اهمال عدم اعتذار الاخوان عن «الفرية» التي الصقها عصام العريان مؤخرا بجمال عبدالناصر التي اراد من خلالها هذا الاخواني، التقرب الى اليهود والصهيونية بادعائه - كذبا وافتراء- ان عبد الناصر طرد اليهود من مصر، وهم (الاخوان المسلمون) يدعونهم للعودة الى «وطنهم»!!
سلام على جمال عبدالناصر (الذي عرف الاخوان وعرّفهم).. يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيّا.