أبواق السُوءٍ علَى منابر الفَضائياتِ

أبواق السُوءٍ علَى منابر الفَضائياتِ
الكاتب :الدكتور منتصر بركات الزعبي
شاهدتُ قبلَ أيامٍ قليلةٍ برنامجًا على إحدَى الفضائياتِ الأردنيةِ ,سمعتُ حوارًا معَ ناقدٍ سياسيًّ - ويا لَيتَني ما سمعتُه - ومعارضٍ أردنِيٍّ , يتحدثانِ عنْ السياسةِ العامَّةِ في البلادِ وكان الناقدُ السياسِيُّ يتحدثُ وكأنَّهُ منْ كوكبٍ آخرَ, ليسَ مَعْنيًا بما يجرِي مِنْ أحداثٍ داخلَ الوطنِ أو خارجَه , وما دامَ أنَّ الذين يشتغلون بالسياسَةِ في بلادِنا علَى هذهِ الشاكِلةِ فعلى وطننا السلام.
وقدْ وصفَ الرسولُ الكريمُ - صلّى اللّه عليهِ وسلّم – هؤلاءِ بالأقماعِ: فقالَ وهوَ علَى المِنْبَرِ :(ويلٌ لأقماعِ القولِ، ويلٌ للمصرّين الّذين يُصرّون علَى ما فَعَلوا وهمْ يعلَمون)رواه أحمد 0
صدقتَ يا رسولَ اللهِ فمَا أكثرَ الأقماعَ في دُنيانا اليومَ ؟الذين يُكابرون ويُصرّون على عنادِهم ،الذين ألغَوا عقولَهم وأصمّوا آذانَهم عنْ وطنٍ توغَّلت فيهِ الأمراضُ والعللُ وولَغتْ فيهِ كلابُ الفسادِ فصارتْ تمرُّ عليهم الأحداثُ الجِسامُ الذي يمرُّ بها الوطنُ دونَ تأثيرٍ واتعاظٍ ، فلا يعلمون شيئًا منها ،فهم يسمحون بتمريرِ كلِّ ما يسمعون ويرون ولا يَعْلَقُ بذاكرتِهم مِنْ هذهِ الأحداثِ شيءٌ ؛فهمْ كالقمعِ (المحقانِ) يُمَرِّرُ كلَّ شيءٍ يُصَبُّ فيهِ ولا يَحفظُه ؛المُصيبةُ أنَّهم يُدركون أنَّهم يَكذبون ومعَ ذلك تَجدْهم مُصرِّين ومعاندين ؛والدافِعُ هو أنْ تأخذَهم العزةُ بالإثمِ عنْ الاعترافِ حتّى تَعمَى قلوبُهم عن الحقِّ ؛لا حولَ ولا قوّة إلا بالله ، ونعوذُ باللهِ مِن حالِهم ومآلِهم ،هؤلاءِ ردُّوا الحقَّ فصدقَ فيهم قولُ الحقِّ: (وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ ) (الجاثية7)
وهلْ كانَ كُفرُ أبي طالبٍ إلا معاندةً ،فقدْ عرفَ وأقرّ ولكنَّه أنِفَ أنْ يُقالَ: اتَّبعَ ابنَ أخيهِ فصارَ بذلِك كافرًا، وفي الحديثِ : (نّ اللّهَ جعلَني عبدًا كريمًا ولمْ يجعلْنِي جبّارًا عنيدًا) قالَ اللّهُ تعالى: (أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ) (ق/ 24)
لا أدري ،لِمَ يعدلُ هؤلاءِ عن قولِ الحقِّ ؟ ولماذا يجانبونَ الحقَّ ؟ ولماذا يظهرونَ بمظهرِ المبتعدِ عن الحقِّ ؟ما الموانعُ والسدودُ التي تقفُ أمامَ هؤلاءِ الذين يعدلون عن الحقِّ ؟ما الموانعُ التي تمنعُهم من أنْ يتابعوا الحقَّ وأنْ يُعلنوا الحقَّ ؟وهلْ هناك من مانعٍ يمنعُ الإنسانَ منْ قولِ الحقِّ إلا الجهلُ ؟فالجهلُ مانعٌ من موانعِ الوصولِ إلى الحقِّ ،وإلى إعلانِ الحقِّ وإلى الاعترافِ بالحقِّ وإلى اتباعِ الحقِّ.
تروي كتبُ السيرةِ أنَّ خالدَ بن الوليدِ - رَضِي اللهُ عنهُ - التقى عَمرو بنُ العاصَ قبلَ أنْ يُسلِمَا، التقاهُ وهما في طريقِهما إلى الإسلامِ، فقالَ خالدُ لعمرو: (ما أخرَّكَ يا عمرو عن الإسلامِ إلى الآن ؟ فقالَ :عمرو بن العاصِ- رضِي الله عنه - : كانَ لنا آباءٌ نقولُ بقولِهم، حتّى إذا ذهبوا نظرنا فإذا هذا الدينُ حقٌ).
كانوا جاهلِين من خلالِ تجهيلِ آبائِهم ، الجهلُ مانعٌ كبيرٌ من موانعِ الوصولِ إلى الحقِّ، فهلْ يريدُ هؤلاءِ منّا أنْ نبقى في الجهلِ ؟!نحكمُ بالغلطِ والخطأ والخطلِ وعدمِ الصوابِ لنكونَ أكبرَ حصنٍ ومدفَنٍ تُدفًنُ فيهِ الأدلَّة لإدانةِ الفساد ورموزِه .
Montaser1956@hotmail.com