هل سقط التقشف؟

في السياسات الاقتصادية اجتهادات يصعب الحكم عليها بكلمة صح أو خطأ ، فما ينجح في ظروف معينة وبلد ما ، قد يفشل في ظروف مختلفة وبلد آخر.
قطبا السياسات الاقتصادية اليوم هما التقشف أو التحفيز ، أي خفض العجز المالي أو زيادة الإنفاق العام ، الاستقرار أو النمو.
الشائع الآن أن التقشف فشل في تحقيق الأهداف المرجوة ، وأن التوسع في الإنفاق والتمويل حقق نتائج أفضل ، حتى في مجال الأهداف الخاصة بالتقشف.
بريطانيا في عهد حكم العمال كانت تأخذ بسياسة التوسع تطبيقاً لنظرية كينز في زيادة الإنفاق أوقات الركود ، وتحقيق فائض في أوقات الرواج ، وعندما جاء المحافظون إلى الحكم بقيادة رئيس الوزراء ديفيد كاميرون أخذ بسياسة التقشف ، وقرر تخفيض العجز وشد الأحزمة على البطون ، فماذا كانت النتائج؟.
يقول مراقبون إن الاقتصاد الأميركي حقق نموأً بمعدل 1ر2% ، ولم يحقق الاقتصاد البريطاني سوى 9ر.% أي أقل من 1%. في الوقت ذاته بلغ العجز في الموازنة الأميركية 4% من الناتج المحي الإجمالي ، في حين بلغ عجز الموازنة البريطانية 6% من الناتج المحلي الإجمالي.
يرى كاميرون أن التقشف وتخفيض العجز يعزز ثقة المستثمرين فيدفعهم للاستثمار ، مما يحقق النمو الحقيقي في القطاع الخاص ، بدلاً من النمو المصطنع عن طريق إنفاق مال عام ممول بالديون.
في أميركا اليوم معركة بين الإدارة الديمقراطية (يسار الوسط) وبين الكونجرس الأميركي تحت سيطرة اليمين الجمهوري المتطرف. الإدارة تريد أن تتوسع في التحفيز وأن تقترض بكثافة ، في حين يريد الكونجرس ضغط النفقات وتخفيض الضرائب على الأغنياء.
في بلد كبير وقوي مثل أميركا ، يستدين بعملته الوطنية ويستطيع عند اللزوم أن يطبع منها ما يشاء ، وأن يحل أزماته على حساب الاقتصاد العالمي ، تصبح سياسة التوسع هي الخيار الأفضل لأن مخاطرها محدودة. وفي بلد صغير كالأردن لا يستطيع أن يخلق دولارات قد يعطي الأولوية للأمن والاسـتقرار على النمو ، مما يعزز الثقة العامة بالمستقبل ، وهي المحفز الأساسي للاستثمار والنمو.
أرقام المالية العامة في الأردن توحي بأنه ياخذ بسياسـة التوسع والتحفيز ، بدلالة اتساع العجز وارتفاع المديونية ، ومع ذلك فإن السياسة المقررة هي التقشف وتخفيض الإنفاق والعجز.
لدينا أهداف مرسومة ومعلنة ولكنا نحقق عكسها.