هل نضبت النخب عندنا ؟

الكاتب: المستشار شفيق الدويك

الأردن، ولله الحمد، ما كان يوما عقيما، والنخب، ولله الحمد والشكر، لم تنضب، وهي تمثلنا في معظم دول العالم خير تمثيل.

لهذا البلد، خصوصــــــــية يعلمها القاصي والداني، وهي تتمثل في أسلوب حياتنا والثقافة السائدة، أي بمجموعة القيم التي تسري في العروق، ونتعامل بها وتدرك على مدار الزمن.

أعود للخصوصية مــــرة أخرى، خصوصية مكونات المجتمع الأردني، والتي جعلت صاحب القرار، بسبب قناعاته المستندة الى رؤيته، يركــــــــز على إختيار محفــــــــــظة نخبته من قطاعات محددة، دون غيرها (ليس عمدا لربما، وإنما، بطريقـــــة إنتقدت في أكثر من مناسبة ، وأصبحت الطريقة تلك عرفا أو تقليـــــــدا أو نهجا) ، بحيث تكيّف قرار الإختــــــيار دائما مع تلك الظاهرة المستندة الى معايير حيّر غمـــــوض كنهها جمــيع الذين لم يتم إختيارهم وغيرهم من المراقبين.

أصبحت المطالبات (الخجولة أو المترددة قبل الحــــــــــراك، والجريئة جدا بعده) بأن تشارك القطاعات الأخرى (ما يطلق عليها أبناء الحراثين) في تحـــــمل المسؤولية، في الوقت الذي يقبع فيه أبناء الحراثين في الصفوف الخلفيـــة بسبب إزاحتهم على الدوام من قبل القطاعات القوية المتنفذة المحددة سالفة الذكر.

إختُرقت القاعدة ببعض الحالات الإستثنائية جدا، قد تكون للتمويه، أو بحسن نية، بغية التصويب التدريجي. الأمر علمه عند الله سبحانه وتعالى.

على مستوى العشيرة أو العائلة، كان يحدث نفس الشيئ. تتم مخترة أو تكبير فئة دون الأخرى، وكان الإنتقاد الحاد يتم في السر في معظم الأحيان. إذن طريقة إختيار أعضاء نــــوادي النخبة هو منهجية يتبعها الجميع هنا، وليست مقتصرة على فئة أو طرف دون الآخر.

من يتم إختياره، موضوعنا، يشبع في العادة حاجة طرفين: الطرف الذي إختاره، والطرف الذي تُقدم له مخرجــــاته (أي أداءه)، وفيما يبدو أن حالة عدم الرضا من معظم الذين يتم إختيارهم حاصل عند الطرفين.

النتيجة المهمة التي قد وصلت اليها حتى هذه اللحظة هي أن الجميع ينتقد الجميع، وللأمانة أقول بأن الحق مع الجميع.

السؤال الكبير هو: هل فسدت النخبة ؟ بعبارة أخرى، ما الذي يجعل النخبة تفسد على رأي الصديق الأستاذ سليمان النصيرات ؟

في حقيقة الأمر، معظم النخب تفسد، ومعظم مكونات المجتمع تفسد أيضا أو قابلة للفساد، عندما تتهيأ الفرصة أو تتوفر التربة الخصبة لذلك.

عندما تغيب المساءلة، وتسود ثقافة (إمسحها ب هالذقن، أو بنمون عليك يا غالي أو يا أبو نسب، أو تعملّيش إياها مشيخة، مهي مش مستاهلة يا رجل، أو الدنيـــــا سداد ودين، أو كسر عيني ببُكسة عنب أو تنكة زيت لعين الحرسه، أو محداش قاري ورق، أو ما بيمشي مع الناس إلا بزّق ولزّق)، يصبح معظم الناس فاســـــــدين (أي معتدين على حقوق بعضهم البعض)، بما في ذلك الجيران الذين يرمون القمــــــــــــامة عند مدخل العمارة، أو يحشرون سيارتك (يقول الحاشر: والله يا جار ما أخذت بالي، حقك عليّ يا سيدي)، أو يأخذون دورك عندما تشتري الفلافل وغير الفلافل، وفرصة عمل إبنك أو بعثته على مستوى المؤسسات.

مسألة غياب المســــاءلة يفترض أن تصــــبح من الماضي أثناء عملية الإصلاح، والذي طق عرق حياه، لا بد من تخويفه.

أعتقد إعتقادا قويا وراسخا بأن الطباع غير المرغوب فيها ، أو التي تقودها الغرائز الدونية ، والتي تنتعش عادة في البيئة المهيئة لها، تلجمها:

- القوانين الشــــــــــاملة، مع كفاءة وفاعلية التطبيق وتحريم الإستثناءات مهما كانت الحالة.

- والمعايير المثالية،التي تبين للجميع ما لهم من صلاحيات وما عليهم من وظائف ومسؤوليات.

- وأداة الثواب والعقــــــــــــاب المستندة الى الشفافية

ومن يصـر على طبعه، ينبغي أن يرى نفسه في نهاية المطاف خارج المنظومة

هناك مقولة مشهورة في الولايات المتحدة ونصها :

Easy hire, easy fire

بمعنى أن باب التوظيــــــف مفتـــوح لأي مؤهل لها، وإذا ما ثبت العكس، فإن الباب يغلق بوجهه بنفس سهولة توظيفه، وفي هذه المناسبة لا بد من القول بأن: الشفافية هي المضاد الحيوي الناجع لإلتهابات العدالة، ولقد آن أوان التخلـــــــــي عن المبدأ الإداري المعمول به في معظم مؤسساتنا (دبّر حالك).

عندما غزت الثقـــــــافات الأخرى الثقافات الأصلية لجميع الدول من خلال التطور الإتصالي المذهل، أصبح الوعي في حالة نضــوج غير مسبوقة، وأصبحت المطالبة بالتغيير وتقليد الأفضل ملحة.

بدأ الطفل يجادل والديه، وتراجعت هيبة الكبير بصورة مفزعة (بالنسبة لعقلـــــيتنا غير المتعودة على تلك الصيغة في العلاقات)، وحلّت العاطفة محل العقل عند معظم الرجال، وتغيرت الأحوال في المجتمع تغيرا مدهشا.

قدمت الينا مصطلحات ومسميّات جديدة كثيــــفة مثل النزاهة، والشفافية، والعدل، والمساواة، والحوكمة، وصون أو حماية حقوق الإنسان، وبرنامج الإتجاه المعاكس، وبرنامج ستار أكاديمي، وشبكة التواصل الإجتماعي (الفيسبوك) عبر الإنترنت.

نُفض الغبار عن العقل والمذاق وبعض الغرائز، وتغيّر حد الإشباع لمئات الحاجات والرغبات والتوقعــــــات، وحتى الألوان أصبحت غير الألوان التي كنا نعرفها، ولا يمكن لغير الخبير أن يعرف إسم اللون الذي يشاهده.

ما الحل إذن في ضوء الإنتقادات الشديدة لجودة أداء الإدارة العامة والناس وفسادها بل وفساد معظم مكونات المجتمع ؟

التكيّف بسرعة مع المعطيات والمستجدات بفطنة وحكمة وذكاء عن طريق منح مفكري الأمة (القابع معظمهم في الصفوف الخلفية) الفرصة للمشاركة في الإصلاح، وهنا يأتي دور الإعلام لكي نحافظ على مكتسباتنا في وطن هو درة الأوطان، تقوده قيادة ملهمة محبوبة لديها دائما نظاما محكما وبإتقان قل نظيره.