مقام الكسل

أفكر لو أمتلك المال والمسلمات لأقوم ببناء مدينة "غير شكل"، مدينة مختلفة تماماً؛ ليس لأن الدنيا بمدارجها وقلاعها وجبالها وسهولها ضاقت بأهلها، بل لأن مدينتي فاضلة جداً سترفع مداميكها على أنقاض خطايانا وخطيئاتنا وعيوب الناس، ولكن المزاج الخاص حالياً يتأبى، وهذا القرار الإنقلابي الصعب يقوده الكسل، والكسل فعل ماض يمتد بنزقه لينشر ضغوطاته على كل الوجوه والأشياء والمستقبل؟

حين سألني صديق لماذا تبدو مقالاتك مضغوطة وقصيرة وربما مقتضبة؟ أجبته لأني لا أحب كثرة الكلام، وفي الحقيقة أنه الكسل، الكسل الذي امتد وتفرع؛ حتى وصلت عدواه للساني فشّلت حركته، ومعروف أن الكسل ثمرة ناضجة للإحباط، الإحباط الذي بدأ معي منذ أخرجت رأسي من رحم الحياة أتطلع للجري والركض والتحقيق في الحياة، الكسل الذي بدأ حين تطلب رفقة أمك فتعز بتواجد! وحنان أبيك فيضن بتودد، وحين تقضي أيام دراستك وسنواتها في الاجتهاد والتفوق، فيأتي فجأة من يخطف ثمرة جهدك ويضيع سنين تعبك بالحصول على وظيفة جاهزة كيف؟؟ بواسطة ثقيلة!! وبالتالي تخذلك الدولة حين تغمطك حقاً هو لك ولا تدافع عن دورها بحمايتك، وتخذلك القومية حين تخجل من حمل هويتك والدوران بها في أرجاء الدنيا قائلاً سجل أنا عربي!! ويخذلك العالم حين يضيق بأحلامك، وتخذلك الحبيبة حين لا تفي بالتزامات ما قبل الزواج ويخذلك الحبيب حين يتبدل كوجه الدنيا وأحوال الناس، وتخذلك السهولة حين يقع بينك وبينها خصومة أبدية، فيصعب عليك حتى الحصول على "شربة مي". تخذلك الأشياء كل الأشياء فيحبطك الفشل، ويصيبك الكسل في مقتل الكلام والشكوى ورفع الدعوات في حق الإحباط والمحبطون. أو الذهاب كل ليلة للنوم مبكراً؟