الأسباب الخفية لإغلاق الحدود العراقية الأردنية

مهدي مبارك العبد اللات

يعتبر منفذ حدود طريبيل من أهم المنافذ التي يستورد العراق من خلالها أنواع مختلفة وعديدة من البضائع القادمة عبر ميناء العقبة ويبعد عن عمان حوالي 370 كلم وعن بغداد حوالي 570 كلم وهو المنفذ الوحيد بين الأردن والعراق ويشهد حركة نقل كثيفة للمسافرين إضافة لنقل النفط الخام العراقي إلى الأردن من خلال الصهاريج

وفي خطوة مفاجئة وخارجة عن سياق الهدف المعلن قامت الحكومة العراقية ممثلة بوزارة الدفاع باتخاذ قرار عاجل بغلق الحدود العراقية الأردنية من جهة واحدة وقد تباينت التصريحات والتحليلات حول الغاية من ذلك فيما قالت الحكومة بأن إغلاق الحدود جاء نتيجة مباشرة لأعمال الشغب التي تشهدها المناطق الغربية وما تبع ذلك من إغلاق للطريق الدولي باتجاه منفذ طربيل الحدودي

الاحتجاجات الشعبية العارمة مازالت تجتاح العديد من المحافظات العراقية ذات الأغلبية السنية والتي وجدت مساندة مباشرة من المرجع الشيعي مقتدى الصدر وبعض الكتل والتيارات العراقية الأخرى مما دفع المالكي إلى استخدام العنف والقوة في مواجهة وقمع المتظاهرين كما حصل في الموصل وقد وجد البعض في إغلاق المنفذ الحدودي مع الأردن ضغط على المتظاهرين من خلال محاربتهم بأرزاقهم ومحاولة يائسة من قبل رئيس الحكومة نوري المالكي تستهدف لي ذراع المحتجين وكسر مسيرة الديمقراطية والاعتداء على حقوق المتظاهرين التي كفلها الدستور وفرض حصار اقتصادي على المناطق السنية التي تقود الثورة ضد المالكي

وان هذا القرار سوف يزيد لهيب العاصفة ويقود إلى مزيد من الاعتصام للعديد من القطاعات الشعبية وفي مقدمتها سائقي الشاحنات الذين سوف تتكدس شاحناتهم على طرفي الحدود و يتأثرون بتوقف عمليات النقل المتبادل وكساد البضائع إضافة إلى وارتفاع أسعار المواد الغذائية والسلع الاستهلاكية بشكل فاحش رغم أنه لم يكن هنالك سبب موجب أو مقنع لهذا القرار

وان المتظاهرين في الأنبار لم يقوموا بالاعتداء على الطريق الدولي أو إغلاقه وأن تحميل المعتصمين المسؤولية أمر غير سليم وأن المالكي عمل على معالجة الخطأ بخطأ أكبر منه وزاد في احتقان المسألة وغضب الناس بهذه الخطوة ألتصعيديه المخالفة للدستور حسب نص المادة 114 والمتضمنة أن إدارة المنافذ الحدودية هي من الصلاحيات المشتركة بين الحكومتين المركزية والمحلية وما زال المحتجين يطالبون بعدم توجيه الأجهزة الأمنية وقطاعات الجيش كأداة لقمع الشعب العراقي

الكثيرين من عرب السنة المحاصرين ينظرون إلى أن هذا القرار سياسي جاء ضمن سلوك الدولة "الطائفية" خصوصاً بعد إبقاء الحكومة على منفذ الوليد مع سوريا مفتوحاً وأن هدف القرار ضرب الاعتصام إعلاميا وإظهار العصيان المدني بصورة سيئة أمام الشعب والعالم بتصويرهم أنهم يستهدفون الطريق الدولي وتعطيل حركة العبور بين الدولتين ويروج آخرين كذب بأن قطع الطريق الدولي جاء أيضا لمنع وصول إمدادات حكومة المالكي لنظام بشار الأسد بالمال والسلاح فيما ينفي المتظاهرون ويؤكدون أن حركة السير على الطريق الدولي سالكة دون أي معوقات

وما زال المعتصمون في الأنبار يواصلون اعتصامهم السلمي وقد أنشئوا طرقا فرعية من أجل استمرار الحركة التجارية ومرور المسافرين بعد إغلاق الطريق وتتردد المعلومات عن الأهداف العلنية حول إغلاق الحدود بشكل غير مقنع ويتم الحديث سرا وفي الخفاء

إن السبب المباشر لهذه الخطوة غير المسبوقة لقرار وزير الدفاع العراقي سعدون الدليمي هو الشروع بتنفيذ خطة أمنية واسعة للبحث عن نائب الرئيس العراقي السابق عزة الدوري والذي ظهر مؤخرا في تسجيل مصور يعلن فيه تأييده للمحتجين ضد الحكومة العراقية ويطالبهم التمسك بموقفهم حتى الإطاحة برئيس الحكومة نوري المالكي وقد نفذت تشكيلات منتخبة من القوات العراقية مداهمات وغارات مفاجئة ليلا ونهارا وأجرت عملية محاصرة شاملة للمنطقة وأغلقت المنفذ الحدودي طريبيل الذي يربط العراق بالأردن

حيث يعتقد بأن الدوري يتواجد ويتنقل في المنطقة الغربية بحماية بعض العشائر السنية وضباط وعناصر من فدائي صدام وهو منذ توليه قيادة حزب البعث بعد إعدام صدام حسين عام 2006 لم يظهر للعلن وبعد عملية الغزو الأمريكي للعراق اختفى عزة الدوري وقامت القوات الأمريكية برصد عشرة ملايين دولار لمن يتقدم بأي معلومات تقود إلى اعتقاله أو قتله ووضعت صورته على كرت ضمن مجموعة أوراق لعب الشدة لأهم المطلوبين حيث كان المطلوب السادس نسب له الإشراف على الكثير من العمليات المسلحة والتصريحات التي تدعو قطاعات مختلفة من الشعب العراقي لمقاومة الأمريكيين أعلن حزب البعث العراقي نبأ وفاته 2005 ولكن الحزب نفى ذلك لاحقا

مع التأكيد بأن هنالك اختلاف كبير في وجهات النظر حول تواجد الدوري يعتقد البعض بوجوده منذ سنوات في رعاية دولة خليجية وأنها توفر له الحماية والاتصال الآمن مع زعماء وقادة عشائر عراقية وأن إظهاره في تسجيلات مرئية متكررة جاء بهدف الضغط على حكومة نوري المالكي في العراق لتخفيف انقيادها لإيران وسوريا كما أنها رسالة للإيرانيين وحلفائهم العراقيين من أن الدولة الخليجية تمتلك زعيما سياسيا وعسكريا وحزبيا عراقيا يستطيع أن يجعل من ارض العراق مسرحا للعنف وعدم الاستقرار في حرب طويلة الأجل تستنهض همم أبناء الطائفة السنية المظلومة نحو الحرية والخلاص من التفرقة والتصفية الطائفية

mahdmublat@gmail.com