أين نحن من الملل السياسي؟

عندما تجد نفسك فجأة فى حالة من عدم التركيز وربما الهذيان وعدم التفاعل مع ما يدور حولك، فإنك فى هذه الحالة مصاب بنوبة ملل أو سأم أو (زهق). 

فالملل هو شعور ينتاب الفرد حينما تكون النشاطات من حوله غير مهمة أو هو غير مكترث بها. فربما أتى الملل نتيجة لعدم وجود جديد يقوم به وربما حل الملل نتيجة الروتين اليومى المعهود وربما ظل الملل ضيفا ثقيلا علينا نتيجة لتشابه الأشياء من حولنا.

فالملل له أسباب ودوافع كثيرة تمكنه من السيطرة علينا وبقوه معظم الأوقات، فهو يشبه تماما الأفعى يبتلع كل شيء وأي إنسان وكل محاولة وكل رغبة.

وكرد فعل طبيعى للملل ابتكر الرومان مصارعة العبيد للأسود وابتكر الأسبان مصارعة الثيران وابتكر اليابانيون المصارعة اليابانية وكرد فعل ايضا ظهرت الثورات والحروب وحركات التغيير ، وإن الرغبة فى التغيير والبحث والاستكشاف هى دوما ما يطرد الملل فالرغبة هي الضوء الذى يملأ الغرفة والملل مثل الظلام الذى يبتلع نور الغرفة.

وكما ينطلق الملل في القضايا الاجتماعية والنفسية والسلوكية فانه يظهر ايضاً في الجوانب السياسية خاصة مع عدم قناعة الافراد في عدم الجدية في التحول نحو التغيير والاصلاح وظهور الاحباط والقهر في السلوكيات السياسية، والذي يساهم في عدم الرغبة لدى المواطنين في المساهمة في الحياة السياسية سواء بالمشاركة بالاحزاب او الانتخابات البرلمانية او في اللقاءات والتدوات وكافة انواع الانشطة السياسية.

ولا بد أن تكون هناك رؤية حاكمة لاستراتيجية مواجهة الملل السياسي الذي ينادي بالتغيير؛ فلا يمكن أن يحدث إصلاح بدون رؤية، وكافة التجارب التي نجح فيها الإصلاح، وحققت تقدماً اقتصادياً وسياسياً بُنِيَتْ تلك وتأسّسَتْ على رؤية متبلورة واضحة المعالم ومحددة الأبعاد، رؤية تحدد أهداف الإصلاح وأهداف التقدم وتحدد أساليب تحقيق التقدم، وتبين آليات تحقيق التقدم، وكيفية توزيع عوائد التقدم.

ولمواجهة الملل السياسي ان نأخذ بعين الاعتبار وضع استراتيجيات لمن يقاوم التغيير ويقاوم الإصلاح؛ فأي إصلاح أو تغيير لابد من أن يكون له أعداء ومقاومون، ولا بد من أن يكون له مناهضون في أي مجتمع من المجتمعات، وذلك لتضرر مصالحهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية فالمهم أن تتضمن أيضا استراتيجية وفلسفة الإصلاح، أياً كان المسمى الذي سوف نستخدمه، وتحديد ووضع بند مع من يقاوم ذلك التغيير؛ فهل يقاوم هؤلاء بالعنف؟ وهل يتم التعامل مع هؤلاء من خلال الحوار أو الاستيعاب؟ فالمهم أن يكون هناك سياسات وآليات للتعامل مع هذه الفئات التي تصور على أنها ستأخذ موقفاً مضاداً للإصلاح.

ولكي تنجح في مواجهة الملل السياسي على متخذي القرار ان يكون لديهم تصورا واضحا لاهداف التغيير والقدرة على تهيئة الشعوب لقبول مبدا التغيير الجذري من اجل التطوير حتى لا تؤول التجربة الى الفشل الذي يرجع في الكثير من الحالات القليلة اما لسوء فهم ذلك و اما لتطبيقها بطريقة خاطئة.

والسؤال الذي يطرح هل يشعر المواطن الاردني بهذا النوع من الملل السياسي، وما دور الجهات الرسمية والحزبية ومؤسسات المجتمع المدني في تقليل درجة هذا الملل وما الارتباط والرغبة لدى المواطن في المساهمة في كافة اشكال الحياة السياسية متمنياً غلى الجهات البحثية دراسة ذلك والاجابة على هذه التساؤلات.

bsakarneh@yahoo.com