شتاء إذا أردنا


بياض وارى الأرض بثلوج غطّتها وجعلتها نقيّة صافية من الشّوائب والأوساخ ، وغيث هطل وغسل الأجواء من التّلوث والإتسّاخ ، ورياح عاتية اقتلعت جذور الحقد وعمّ بعدها السّلام والإخاء .

شتاء يطلّ علينا بالخير ومديد العطاء ، وخير يشرق على أرض العزّ والسّخاء ، صورة متكاملة تتجسّد بالأجواء معلنة وجوب التغيير وعدم الإنغلاق على الذّات ، تشبيه بليغ ينال من أنفسنا لنسمو بها بمزيد من العلوّ والإرتقاء .

بياض يغطّي قلوبنا ، وغيث يغسل ذنوبنا ، ورياح تقتلع آلامنا ، ومجد يسيّر مبتغانا ، وعقل يدير أفعالنا وتصرفاتنا ، ووصول إلى حيث الأمر محمود ، وإدراك لما الآمال فيه معقود ، وتقرير للمصير ليغدو ما نريد موجود .

التغيير بكلّ ما احتوى من كلمة ، وبكلّ ما أوتي من معان ، لا يأتي وليد اللحظة والتّمني ، ووليد الدفء والإختباء ، فلا بدّ له من أفكار منظّمة ، وأفعال مرتقبة ، وتجسيد لما في العقول على أرض الميدان ، واختيار صحيح لما يسير عليه العقل والوجدان .

هطل الغيث وانقضى ، ولكنّ أثره باقٍ على مداد الأيّام ، وما ترسمه لا يمكن حذفه ، فارسم الخير والجمال ، وانقش الأمل والحنان ، وانحت على الجبال عبارة مفادها لا مستحيل ولا فشل وكلّ أمر محتمل .

الإرادة أقوى من الظّروف ، وأبلغ ممّا تفرضه علينا مقتضيات الأمور ، فاجعل منها منهاجا وطريقا للبلوغ ، فمهما كان الثّمن يبقى الوصول إلى منتصف الطّريق خير من الوقوف على قارعته متأمّلا للمسير دون عمل ، وانقضاء الأفعال دون أمل ، والإنتظار دون كدّ ومشقّة ، فلا بدّ أحيانا من العناء للوصول إلى حيث الأمر معهود مُنتظَر ، فلا ثمين سوى ما أردنا ، ولا جميل سوى ما ابتغينا ، ونحن من نصنع المجد إذا فعلنا ، ونحن نغرق بالسّواد إذا طلبنا .