كذبوا وقالوا: اللهم إنك تعلم أنا لانملك إلا الدعاء ..
ويحهم والله إنهم يكذبون على الله عز وجل أولا، ويكذبون على مستمعيهم ثانيا، ويكذبون على أنفسهم ثالثا، ويكذبون على التاريخ أخيرا، وتسجل الأجيال القادمة أجيال التحرير عليهم زيف إدعاءاتهم وبهتان ما يقولون. كل ثورات الدنيا ما قامت بكثير مال ولا بعديد بشر، ما قامت بتقديم تراهات بين يدي تاج الفخار ولا باختلاق السيء من الأعذار، ما قامت لنشر ثقافة الركون والدعة والانتظار، بل قامت بلحظة عز ما كان للزمن فيها حساب، ولم تعرف إلا نقطة انفجار انفلتت من بين أصابع الانتظار، فأجبرت الطغاة على الأفول والاندحار. هذا الثائر المجاهد القدوة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم لوحده يقاتل الدنيا باسرها، ويعلنها بكل قوة: لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك فيه، ثم استعبر المصطفى عليه أفضل الصلوات وأتم التسليم، فبكى ثم قام، فلما ولى ناداه أبو طالب فقال: أقبل يا ابن أخي، فلما أقبل عليه الرسول صلى الله عليه وسلم قال: اذهب يا ابن أخي فافعل ما أحببت، فوالله لا أسلمك لشيء أبدا. سبحان الله العظيم أعجزنا أن نكون مثل أبي طالب ونقول لإخوتنا المسلمين في سوريا وفي بورما وفي روسيا وفي فلسطين وإيران وحتى في دول عربية وإسلامية، أعجزنا أن نكون مثل أبي طالب ونعلنها كرامة لديننا ولإنسانيتنا ولأبنائنا وأجيالنا القادمة بأنا لا نسلمهم أبدا؟ إنهم يبكون كما بكى المصطفى صلى الله عليه وسلم، وهم ثابتون كما المصطفى صلى الله عليه وسلم، ونحن متخاذلون ومدعون كذبا أنا لا نملك إلا الدعاء!! في الحديث المروي عند الدارمي عن أحداث غزوة حنين: "وما هزم قوم بلغوا اثني عشر ألفا من قلة إذا صدقوا وصبروا"، فكيف بنا وقد بلغنا ما يزيد عن عن خمسة عشر مائة ألف ألف من البشر المسلمين؛ كل هذا الطوفان من المسلمين ونقسم أنا لا نملك إلا الدعاء!!! جاء عمرو بن سالم الخزاعي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مستنصرا على قبيلة بكر الذي غدروا العهد (كما اليهود يغدرون اليوم) فأنشد قصيدته: يَــــا ربّ إنـــّي نَاشِــدٌ مُحمّدَا حِلــفَ أبينَا وأبيـــه الأتـــلَدَا هــــم بيتــــونَا بالــوَتير هجدا وقَتَلُــــــونَا رُكّــــعَاً وسُجّدَا لم يعتذر المصطفى صلى الله عليه وسلم ويرفع يديه إلى السماء ويقول اللهم إنا لا نملك إلا الدعاء، ولكنه قالها مباشرة، مع قلة العدد والعتاد، قال: نصرت يا عمرو بن سالم، ونظر إلى سحابة في السماء وقال: إنها لتستهل بنصر بني كعب، هذه هي سنة المصطفى المهجورة، فهل يقوم في أمة الإسلام اليوم من يطبق هذه السنة ويقول نصرت يا شعب سوريا، نصرت يا أقصى، نصرتم يا مسلمين يا مستضعفين يا من تذبحون جهارا نهار؟! هل يقولها منهم قائل وتكون أمة الإسلام خلفه جيشا سندا ودرعا؟ أم إنهم لا يملكون إلا الدعاء!! كذبوا والله لقد كذبوا....... تقدر ودائع العرب في بنوك الغرب بنحو خمسة تريليونات من الدولارات، والرقم أكثر من ذلك بالتأكيد، والزكاة المستحقة على هذه الأرصدة تعادل 125مليار دولار سنويا، أين تذهب هذه الميارات المفروضة على أموال أغنياء المسلمين، أوليست حقوقا للمساكين والمظلومين والمغلوبين على أمرهم، وما زالوا يقنعونا ويقولون اللهم إنك تعلم أنا لا نملك إلا الدعاء!!!!! كذبوا والله كذبوا... التاريخ يسجل، وما أراه اليوم إلا كاتبا عنا ما قال الحطيئة للزبرقان: دع المكارم لا ترحل لبغيتها واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي ولولا جماعة هنا وهناك، قدموا مع دعائهم القليل القليل من المال الخالص لله عز وجل فكثّره ببركته، وصبّرهم على عدوهم مع قلة ما يملكون، وضيق مكان يفترشون، وملأ قلوبهم بكتابه، ومع ذلك ما رفعوا أيديهم إلى السماء ليفتروا على الله الكذب اعتذارا من قلة حيلة ولا استلام لهوان على أناس أعطوهم أو منعوهم، وأقول لولاهم لقلت مقالة المعري: فيا موت زر إن الحياة ذميمة ...