ماذا يحدث في شركة المدن الصناعية
بداية، أود أن أذكر بأن هذه المقالة ستأتي على ذكر أسماء أشخاص بعينهم من باب محاكاة سياسات تخطيطية مارسوها أثناء تولي المسؤولية راجياً منهم قراءة الأفكار المطروحة في هذه الورقة كونهم شخصيات عامة يمارسون عملهم بالنيابة عن المواطنين لإحداث التنمية المرجوه في الأردن، فنجاحاتكم هي مكسب لنا وإخفاقاتكم هي خسارة للموارد المحدودة الموجودة لدينا وستنعكس بالتالي على السلة الشرائية للمواطن. أني أعلم كمتابع للعملية التنموية بأن هناك جهود كبيرة بُذلت وما زالت تبُذل من قبل هؤلاء الأشخاص وعلينا نحن معشر المخططين أن نرفدكم بالتغذية الراجعة Feedback لعلها تقرع الجرس لتعديل مسار أو تراجع عن خطأ، وكلنا خطائون وخير الخطائين التوابون. وأود أن أطلب ممن يبحثون في هذه الورقة عن الإثارة الصحفية أن يتركوا الصفحة حفاظاً على وقتهم الثمين لأنها ستكون موضوعية وفيها الكثير من التخصص.
تعود فكرة المناطق الصناعية إلى كونها تجمع لمنشآت اقتصادية كبيرة تشّغل عددا كبيراً من القوى العاملة، ولذلك فإن المدن الصناعية Industrial Parks (Estates) تلعب دورا هاما في تشكيل النسيج الحضري Urban Fabric في محيط وجودها، وبالتالي الإستيطان البشري المرتبط بالعمل. وبما أن التأثير المتوقع لهذا النوع من المنشآت يتجاوز في أغلب الأحيان حدود المدينة الصناعية ليمتد إلى شبكة المواصلات والبنية التحتية والى التكوين العمراني المجاور، فإن الإختيار المكاني لهذا النوع من المنشآت يتطلب جهدا تخطيطيا مميزا يأخذ في الحسبان مجموعة من المُدخلات للتوصل إلى أفضل الحلول التخطيطية.
وتلعب الدولة دور الراعي لمصالح المواطنين، وتسعى عن طريق رعايتها لمصالح القطاعين العام والخاص لضمان دوران العجلة الاقتصادية فيها لما فيه من مصلحة مباشرة للدولة وبالتالي لمواطنينها. وقد عَرف التخطيط عدة نماذج للتأثير على المناطق التنموية وفرّق المُخططون بين النشاطات الاقتصادية المرتبطة بالمكان Land-based Activities مثل الصناعات التعدينية، وبين النشاطات المفروضة إداريا Administratively-forced Activities وحاولوا إيجاد توازن بين الصناعات المرتبطة بالمكان وبين الصناعة المعتمدة بشكل أقل على مكان تواجد المواد الخام. إلا أن مكان تواجد النشاط الاقتصادي بشكل عام والصناعي بشكل خاص يرتبط في نهاية المطاف بحزمة من الأمور التي يستوجب ترتيبها وفقا للأولويات التخطيطية.
وقد تضطر الدولة إلى التدخل لفرض نشاطات إقتصادية معينة بمواقع مختلفة لتحريك العملية التنموية. وعلى الرغم من أن هذا النوع من التدخل في آليات السوق غير مرغوب فيه في الدول ذات الاقتصاد الرأسمالي الحر إلا انه يصبح ضروريا في بعض الدول النامية مثل الأردن حيث حالت أسباب عديدة دون قدرة القطاع الخاص على أخذ زمام المبادرة وتحريك آليات السوق منها إرتفاع أثمان الأراضي المخدومة بالبنية التحتية وأرتفاع أثمان المحروقات والكهرباء وندرة العمالة الفنية المدربة.
فلماذا سعت الدولة الأردنية لإقامة المدن الصناعية، وهو سؤال يمكن الإجابة عليه بالنقاط العشر الآتية:
1. تؤمن المدن الصناعية مواقع للإنتاج وتضمن توفير المساحات اللازمة لتوسعها المستقبلي والتي يصعب تأمينها في حال وجودها كمناطق مبعثرة ضمن المناطق السكنية.
2. تقلل من الشكاوى المتكررة حول الآثار المزعجة للسكان المتأتية من المناطق الصناعية داخل المدن.
3. تحد من الإرتفاع المطرد في أسعار الأراضي داخل المناطق الحضرية.
4. تقلل من محددات التصميم وتعطي مزيدا من الحرية للمخططين لتامين متطلبات الإنتاج الصناعي.
5. تؤمن ربط جيد مع شبكة المواصلات الوطنية والدولية.
6. تعمل كأقطاب نمو وتخدم التنمية في المناطق الأقل حظاً.
7. تقلل من كلف الإنتاج.
8. تشجع على التعاون بين الصناعات لوجودها متجاورة في مناطق محددة.
9. تساعد في المحافظة على البيئة عن طريق السيطرة على مكانها وأسس عملها.
10. تساعد على تشغيل مزيدا من العمالة في ظروف حضارية ومؤسسية منظمة.
إن المتتبع لنشأة المدن الصناعية في الأردن يلاحظ تسارعا في التخطيط والتنفيذ، حيث تم تكرار التجربة على مدى فترات زمنية قدرها خمس سنوات في المتوسط. فالبداية كانت في سحاب في العام 1984، من ثم مدينة الحسن الصناعية بالقرب من اربد في العام 1991 ومن ثم شرق مدينة الكرك في العام 2000 ومدينة معان الصناعية التي أعطيت لمنطقة معان التنموية وآخرى في العام 2003 في العقبة بإدارة كاملة من قبل شركة تطوير خاصة وآخرها كان في الموقر شرق سحاب.
وكعادتها، فقد كانت الدولة الأردنية هي السبّاقة في إنشاء المدن الصناعية وتبعها القطاع الخاص في مشاريع متواضعة مبعثرة هنا وهناك. وللإنصاف، فقد إنتهجت إدارة مؤسسة المدن الصناعية منذ نشأتها طريقاً واضحاً في التخطيط التنموي تمثل بتوزيع المدن الصناعية على كامل التراب الأردني لتلعب دوراً في تنمية المجتمعات المحلية على الرغم من الكثير من المعوقات التي حالت دون القدرة على إحداث التنمية المحلية بشكل واضح. ولم تكن المؤسسة بعيدة عن قرون الإستشعار للباحثين عن المؤسسات الناجحة للإستحواذ على حصة الحكومة فيها، حيث نشط فريق عوض الله وفاخوري خلال العشر سنوات الأخيرة لتغيير موازين القوى من داخل هذه المؤسسة لإخضاعها لسكين الخصخصة، فكيف تم ذلك.
من المعروف بأن ملكية مؤسسة المدن الصناعية موزعة على عدة جهات هي الحكومة الأردنية بنسبة 67% وبنك الإسكان وبنك الأردن-دبي الإسلامي والضمان الإجتماعي وصندوق إستثمار موظفي جامعة اليرموك. ولربما تكون مؤسسة المدن الصناعية من قلائل المؤسسات العامة التي لا تكلف الحكومة قرشاً واحداً فهي تصرف على التطوير من إيراداتها وحققت في العام 2010 مؤشرات مالية متميزة تقارب (9) مليون دينار وبنسبة نمو قدرها 1742% وعائد على رأسمال المؤسسة مقداره 49% كما ارتفعت الموجودات في هذا العام إلى 110 مليون دينار.
لقد تم التمهيد للإستحواذ على هذه المؤسسة الوطنية بالترويج لفكرة دمجها مع مؤسسة المناطق الحرة، وكانت الخطوة الأولى بتحويلها من مؤسسة إلى شركة المدن الصناعية وإعادة تقييم الموجودات لتضخيم حجمها دفترياً حيث بلغت الموجودات قبل التحويل 110660000 مئة وعشرة مليون وستمائة وستين الف دينار وتم رفع القيمة الدفترية بعد التحويل إلى 172000000 مئة وإثنان وسبعون مليون دينار.
لقد شكل هذا الإجراء مصيدة جعلت الشركة تسجل خسائر بسبب إرتفاع السعر الدفتري لدونم الإرض بعد التقييم بينما السعر في السوق لم يتغير، فإذا كانت مثلاً كلفة الدونم المطور الواحد قبل التقييم (10000)عشرة آلاف دينار يضاف إليها (5000) خمسة آلاف دينار ربح فيصبح سعر البيع (15000) خمسة عشر ألف دينار، أما إذا أصبح سعر البيع الدفتري (نظراً لرفع قيمة الموجودات الثابتة وجلها من الأراضي المطورة) بعد التقييم (25000) خمسة وعشرين ألف دينار فإنه ستسجل خسارة دفترية بالفارق البالغ عشرة آلاف دينار كون سعر السوق يتماشى مع سعر البيع قبل إعادة التقييم. وبعد أن أصبحت الشركة تسجل خسائر فسيأتي المُنقذ الجاهز سلفاً لإنتشالها من الضائقة المالية وهي خسائر دفترية سببها خطأ مقصود أو غير مقصود في إعادة تقييم موجودات الشركة.
ولتنفيذ هذه السياسات فقد توجب تعزيز وجود الأشخاص المؤمنين بهذا النهج وإستبعاد المعادين لسياسة بيع المؤسسات الوطنية فقد تم تعيين مدير عام جديد لشركة المدن الصناعية وترقية المدير العام السابق/ م. عامر المجالي ليجلس خلفة دفة قيادة العملية التنموية في الأردن رئيساً لهيئة المناطق التنموية. ولإزالة آخر القلاع المعارضة لهذا النهج في شركة المدن الصناعية تم إقرار الهيكلة الجديدة للشركة والتي إقترحها عطوفة المدير العام الجديد/ الدكتور لؤي سحويل وأقرها مجلس الإدارة برئاسة الدكتور علي المدادحة بتاريخ 29/11/ 2012 تم بموجبها إلغاء منصب نائب المدير العام الذي كان يتبوءه المهندس عيسى الشياب وتعينه مستشاراً لدفعه للإستقالة وهذا ما حدث فعلاً لتخسر الشركة أحد أهم قلاعها من علماء الأردن في التخطيط الإستراتيجي وخبراء البنية التحتية.