مرحلة صعبة تحتاج نوابا استشهاديين

عند قراءة الخارطة السياسية والمشهد الإقتصادي والإجتماعي لا بد وأن نخرج بمعطيات عامة تجعل من يتبوأ مقعدا تحت القبة مشروع شهيد إن صدقت النوايا لتطبيق الشعارات المطروحة. لا أرغب بأن أبدو متطيرا, لكن المرحلة المقبلة تحتاج للجهد المخلص والنوايا الصادقة والتكاتف البناء بين الدولة ومجلس النواب القادم لكي نخرج من الأزمات التي تبدو ولحد ما عصية على الحل.
المجلس النيابي القادم سيكون أمام مهمات صعبة للغاية وقرارات ربما تتصف بالمصيرية الأردنية كهوية وكيان ونهج. فهناك الإقتصاد الذي يعتمد على المساعدات والمنح والصدقات وليس على الموارد الوطنية (التي لم تعد وطنية). وهناك "مؤسسة" الفساد وأركانها العتاة الذين يطلبون بصمت الشهادة بالدفاع عن فسادهم وأموالهم (الأدلة ضدهم لم تكتمل بعد) وهناك منهجية التعيينات المدمرة والقائمة على التوريث والتنفيع والإسترضاء والإستقطاب (منهجية راسخة يبدو الخلاص منها قريب من المستحيل) وهناك طبقة صناع القرار الذين طالما تمتعوا وتلاعبوا بالثقة الملكية السامية (وهؤلاء يتكاثروا بطريقة الأرانب) وهناك الجدار العازل بين الملك والشعب وصيانته وإعادة ترميمه أصبحت ضرورة قصوى السكوت عنها يعني تكريس الخلل الذي ساهم كثيرا بالوضع المتردي (جدار فولاذي غير قابل للإختراق).
إن خلُصت النوايا وعمل الجميع من منطلق الخوف على مصالح الوطن وحمايته من البرامكة نكون قد خرجنا من النفق المظلم. وإن صارت الدولة تنظر لمجلس النواب على أنه رديف لها وليس مخاصم والمجلس يرى في الدولة أنها أهل لثقة الشعب, سنصل بلا شك لحالة من التوافق والإنسجام تقودنا لمرحلة قطف الثمار.
لا افتراء على أحد عندما نقول أن الدولة بكافة مؤسساتها بحاجة لإعادة هيكلة أو حملة تنظيف وغربلة لكي نتخلص من الشوائب والزوان اللذان عكرا صفونا الإقتصادي والوطني والإجتماعي والمعيشي لزمن ليس بالقصير. هل نظلم مستشاري الديوان الملكي ورئاسة الوزراء عندما نقول أنهم دأبوا على نسخ صور من تقاريرهم لتكون جاهزة عند الطلب بنفس المضمون الذي يعطي صورة بهيه عن حياة الناس؟؟
هل إذا أشار أحدنا لموضع خلل، يُصنف مناكفا للدولة والنظام ؟؟ هل إذا قلنا عن السارق سارقا والمتآمر متآمرا والمرتشي مرتشيا، نصنف مع قاتلي الشخصية؟؟ هل إذا أشار أحدنا لأحدهم بالنزاهة ونظافة اليد والوطنية يصنف بالإنقلابي والمحرض على تقويض الدولة ؟؟ أليس هناك متسع ليصنف فلان او علان وطنيا؟؟ هل إن كان أحدهم وطنيا يحب وطنه ويعمل على صونه من المارقين يتم وصفه بالمقوض للحكم؟؟ إذا أبرزنا وأيدنا الإخلاص بشخص أثبتت التجربة إخلاصه نلام ونوصف بالمقوضين وإذا أشرنا لبرمكي يعمل على دمار الوطن نطالب بالأدلة والوثائق ونحسب مع المفترين؟؟ فما المخرج يا بشرمن هذه الدوامة؟؟ وكيف السبيل لطي هذه الصفحة ذات اللون القاتم؟؟ أليس بالعدل والإخلاص والجدية في النهج والصدق في المسعى؟؟ وبعكس ذلك سنبقى نتمحور حول أنفسنا ونناور دون الخروج من المربع الأول.
إذن ما السبيل لإصلاح الخلل وجسر الهوة بين الدولة والشعب ومحاسبة العابثين إذ عبثهم قد طال الوطن والشعب والنظام ورأسه ؟؟ بالنهاية المسؤولية ستطال رب الأسرة الكبيرة بحكم موقعه كرأس للدولة وللسلطات الثلاث. مانراه حلا لكل ذلك هو حسن الإختيار للأشخاص المخططين والمنفذين وصناع القرار متبوعا بالرقابة ثم الرقابة ثم الرقابة وهذه متبوعة بعدم السكوت عن المسيء بل خلعه ومقاضاته.
سمعنا جلالة الملك عدة مرات يعطي مهلة لأعضاء الحكومة لإنجاز مهمة ما, لكننا لم نسمع يوما وزيرا استقال لعدم إنجاز مهمته ولم نسمع يوما أن أقيل وزيرا لتقصيره بل ما اعتدناه هو التعديل الوزاري الذي يختلط به الحابل بالنابل ويكون غطاءا وسترا للذين لم يكونوا بالموقع المناسب. كما تعودنا أن يعود بعضهم بحكومات لاحقة. وبهذا أصبحنا ندور بحلقة مفرغة. لنا عبرة من وزير خارجية اسرائيل عندما استقال لمجرد الإشارة إليه بتهمة التلاعب. فأين نحن من ذلك؟؟
إن المجلس النيابي القادم تنتظره مهام غاية في الصعوبة لما تعهد به المترشحون من مكافحة للفسادو وجلب للفاسدين, ومحاربة ما من شأنه إذكاء نار "الوطن البديل" , ومحاربة الفقر والتخفيف من الضرائب, واستعادة الأموال المنهوبة, ناهيك عن تحرير فلطسين من البحر حتى النهر. لقد وضع نواب المستقبل أنفسهم بمواقع مسؤولية لا يحسدون عليها. وسيحاسبهم ناخبوهم إذا لم يلمسوا فعلا وتطبيقا لا قولا ما تعهدوا به بمرحلة التسويق لكسب الأصوات.
وما يجعل المجلس القادم تحت الأضواء وعلى مدارالساعة أننا نعيش في ظل الإنفجارالعربي وبعد رحيل مجلس منح الثقة لحكومة سمير الرفاعي (111/120) "ولم يجد أدلة كافية على إدانة باسم عوض الله" وصادق على مهزلة اتفاقية (BP). الناخبون الآن ينتظرون نوابا للأمة وليس نوابا يمثلون الحكومة تحت القبة. كما ينتظرون مجلسا خال من اللوبيات التي تدار من أناس من خارج المجلس هم من سبب العجز والمديونية.
فالمجلس الراحل خلق عند الناس الكثير من الهواجس المريبة التي ندعو الله أن تزول أسبابها والدوافع والأسباب التي تجعلهم دائمي التيقظ لنوابهم للتأكد من أنهم يمثلوهم أصدق تمثيل. لقد وصلنا حد التخمة من التدليس والإستغفال وصار الوعي واستشعار القادم من الأشياء المتأصلة عند الأردنيين. فالحذر, الحذر والكيس من اتعظ بغيره.
حمى الله الأردن والغيارى على الأردن. والله من وراء القصد.
ababneh1958@yahoo.com