هل هنالك "عدالة اجتماعية"؟!
التركيز على العدالة الاجتماعية اليوم لم يأتِ من فراغ، إذ يعكس - بدرجة كبيرة- عمق الأزمةالاقتصادية واتساع الفجوة الكبيرة في العالم العربي بين من يملك ومن لا يملك، وتنامي مشاعرالحرمان الاجتماعي، والضغوط السكانية، واستمرار الخط البياني التصاعدي لمعضلتي الفقروالبطالة، وفشل مشاريع التنمية الاقتصادية، وانتشار آفة الفساد.. الخ. لا يمكن الفصل بين المعادلات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، فالاحتجاجات والثورات التيخرجت تطالب بالديمقراطية بعدما ترسّخت قناعة واضحة لدى أغلب الشرائح الاجتماعية بأنّالسبب فيما وصلوا إليه من خيبات أمل وإحباط وفشل ومعاناة اجتماعية واقتصادية يكمن في سوءإدارة الحكم، واستئثار مجموعات محدودة بالثروة والسلطة والجاه، وتمتّعها بامتيازات استثنائية،وغياب العدالة في فرص العمل، هشاشة مبدأ سيادة القانون، والشعور بأنّ دولة المواطنة باتت"كذبة كبيرة"، ولمّا وصل صبر المجتمعات إلى الجدار، وشعروا أنّ الأمل بانفراجات سياسيةتعدّل الأحوال أمر غير ممكن، ووصل الحكام في المقابل إلى الاستهتار بـ"الرأي العام" أخذتالأمور نحو منحنى جديد ونقطة تحول تاريخية في الصراع. السؤال، الآن - في حقبة الربيع الديمقراطي العربي- يكمن في تعريف وتحديد كيف يمكن ترجمةشعار العدالة الاجتماعية نسبياً على أرض الواقع، مما يخفّف من مستوى الضغوط الاقتصاديةوالاجتماعية على الشريحة العامة من المواطنين في أغلب الدول العربية؟ ليس ضرورياً أن تتفقالأحزاب والتيارات السياسية جميعاً على تفاصيل وآليات تحقيق هذا المفهوم. لكن المهم أن يتمالاتفاق على الإطار العام، الذي يحكم مفهوم العدالة الاجتماعية، وكيفية تطبيق ذلك مؤسسياًوسياسياً، ولعلّ الوصول إلى هذا الإطار ليس صعباً، بل ينبع من طبيعة الظروف التي أنتجتالاهتمام الجديد والصحوة الشعبية تجاه هذا المطلب. فالعدالة الاجتماعية تعني، الآن، في وعيالشارع العربي، الفرص المتساوية - قانونياً وأخلاقياً- في المشاركة في السلطة والثروة، ورفعاحتكار المواقع العليا والحصول عليها لأسباب اجتماعية أو سياسية، بدلاً من الكفاءة والمواطنة. تعني العدالة الاجتماعية، كذلك، رفع أسباب الشعور بالتهميش لدى أبناء الطبقات الفقيرةوالمحرومة، والمساواة أمام القانون، والعدالة في توزيع مكاسب النمو الاقتصادي، ومنح أهميةوأولوية قصوى لمشاريع التنمية والبنية التحتية والخدمات الأساسية. العدالة الاجتماعية تعني،كذلك، عدم محاباة التشريعات والسياسات لمن يملكون اليوم المال والسلطة، سواء في الضرائبأو العمل أو الملكية، ومواجهة الفساد الذي أتى على أموال وحصص الفقراء، والحدّ من الفجوةبين من يملكون ومن لا يملكون لبناء توازن اجتماعي يمثّل الرافعة الحقيقية للسلم الأهلي! ثمةدلالات ومعاني كثيرة يمكن أن تتوافق عليها أغلب التيارات السياسية اليوم، والجميع يعرفون أنتحقيق ذلك ليس "كبسة زر"، لكن المهم أن ندرك أهمية السير في الاتجاه البديل لما ولّدتهالسياسات العربية خلال السنوات الماضية وما أنتجته من احتقانات واختناقات وكوارث.