فاروق القدومي والعهر السياسي

قديما قال الشاعر العربي :
سئمت تكاليف الحياة ومن يعش ثمانين حولا لا أبا لك يسأم لكن يبدو اليوم أن من يبلغ الثمانين لا أبا لك يتحول و يتمسك بالحياة أكثر ولا يسأم أبدا على الرغم مما نواجهه في حياتنا من ضنك ومنغصات لم تستطع معها كل وسائل الرفاهية أن تجلب لنا السعادة أو تحقق صفاء الذهن أو النفس.
أقول هذا الكلام بمناسبة تصريحات السيد فاروق القدومي المتتالية بعد بلوغ الثمانين فما أن يظهر الرجل في وسيلة إعلام حتى يصرح بما لم تأت به الأوائل وفي كل مرة تثير تصريحاته زوابع من النقد والاختلاف . فالرجل الثاني في حركة فتح وعضو اللجنة التنفيذية في المنظمة ورئيس الدائرة السياسية لما يقارب أربعة عقود يبدو اليوم وكأنه يعادي الجميع بل تعجب أين يقف هذا الرجل و إلى أي نظام ينتمي فهو يعلن أن المنظمة لم تعد تمثل الفلسطينيين وان حركة فتح انحرفت عن مسارها يعادي السلطة ولا يعترف بها يقبع على رأس الدبلوماسية الفلسطينية منذ أربعة عقود ومع ذلك يفضل الرجل البندقية على الدبلوماسية لكنه يختلف مع حماس التي يفترض أنها تمثل خط البندقية .
خرج علينا يوما يتهم زميله القديم من المؤسسين رئيس السلطة بقتل سلفه في إشارة إلى معرفته وسكوته على قتله وفي تصريحات أخرى ما زال يمجد ممانعة ومقاومة النظام السوري بعد مرور عامين على الثورة السورية في وجهه ويتهم حماس بالانقلاب عليه.
تصريحات وزير خارجية فلسطين المخضرم حول الأردن والضفة تضعك أمام مشاعر كثيرة مختلطة حيث لا نعرف إذا كان الرجل يمارس النقد الذاتي أو أنه يعترف بفشله ومنظمته طوال هذه العقود أو يعترف بأن الشعب الفلسطيني لم تكن له يوما قيادة حقيقية أبدا.
باختصار يقول الرجل أننا رفضنا الأردن في السابق لأننا كنا ثوريين واليوم لم نعد كذلك علما أن الرجل كان على رأس الدبلوماسية الفلسطينية في تلك المرحلة التي كانت فيها منظمته تتفاخر أنها تحقق انتصارات سياسية على الأردن وتسحب البساط من تحت أقدام النظام الأردني وتبدو اليوم مقولات من طراز الممثل الشرعي والوحيد والقرار الفلسطيني المستقل والدولة الفلسطينية في الضفة والقطاع مجرد العاب صغار آو مراهقة سياسية .
يبدو أن الرجل بات مستعدا لتقييم تجربة عاشها لعقود كان فيها ضمن منظمة طالما دغدغت أحلام الفلسطينيين بالتحرير والعودة والدولة المستقلة والقرار المستقل لينقلب على ذلك كله وبمنتهى البساطة ليلقي بقايا "ضفتنا" في وجهنا بل يتبرع لنا بغزة فوقها بكرم منقطع النظير بل أن الرجل وبكل صفاقة يدعي أن الأردن اليوم "ملزم" باستعادة الضفة لكن لم أجبرتم الأردن على التخلي عنها في السابق يجيب بنفس الصفاقة لأنهم كانوا ثوريين أو قل مراهقين وبعد الثمانين اهتدوا إلى الحكمة أي أن الرجل الثوري عاد عن ثورته ليعترف بفشل طرحه على مدى نصف قرن.
ولأن التحريريين لم يحرروا زيتونة في الضفة على مدى نصف قرن فلا بأس أن تلقى في وجه الأردن ولأن مصر لا تريد غزه وكذلك إسرائيل لا مانع أن يبتلي بها جمل المحامل ولأن النظام المقاوم (حسب الرجل) لا يرغب بالفلسطينيين لديه فالأردن أولى بهم بل أن هذه الدولة مستقبلا يمكن أن تكون فلسطينية نقية مقابل يهودية إسرائيل النقية فتلفظ الفلسطينيين لديها للدولة الوليدة وبالتالي يتيح الرجل من خلال أفكاره لاسرائل أن تحظى بأكثر مما تطلبه ومن هنا نرى أن الخسارة الكبرى للأردنيين في كل حال.
القدومي شبع ثورية و سلطة و مالا وتوقيرا وشهرة واليوم يرتد عن ثوريته وهويته ودولته المستقلة فيعترف بفشله في كل شيء ولو كانت شعوبنا حرة وتحيا حياة كريمة كان ينبغي أن يقدم مثل هولاء للمحاكمات لما اوصلو شعبهم إليه من فساد وعهر سياسي ونفاق وتضليل.
كيف يمكن أن نقتنع أن هناك طرفين في فلسطين كل منهما يحمل مشروعا وطنيا مناقضا للأخر ومع ذلك فإن كلا القيادتين لا تحملان الجنسية أو الهوية النضالية لمشروعهم الوطني بل أن هولاء جميعا يتفاخر بحمل الجواز والجنسية الأردنية مثل رئيس دولة رام الله ورئيس وزراءه وأمير إمارة غزة ومثل القدومي الذي كان ثوريا مقابل نظام أردني كان رجعيا.
أما نحن في الأردن نستغرب أن أحدا في حكومتنا أونظامنا لا يرد بشيء على هذه التصريحات بغض النظر عن قيمتها وأصبحنا كأردنيين نبدو وكأننا الطرف الضعيف حتى أمام فاشلين بل أن ما نخشاه أن تلتقي مخاوف النظام آو طموحاته مع مصالح هولاء لتتحقق مصالح الجميع وعلى رأسهم اسرائل وتجار فلسطين أمثال القدومي على حساب الأردنيين.
منصور محمد هزايمة الدوحة - قطر