يا ليتني فاسد!!

 
كم تمنيت يوماً أن لا انساق للفاسدين في الأرض؛ لأنهم فئة منبوذة وخارجة عن القانون، نالت ما نالت من أموال الشعب المتربع على بساط بال من القش، والمكتوي بنار الأسعار اللعينة التي أنهكت جيبه، وأخذت ما تبقى من عمرة.
اليوم تمنيت أن أصبح مفسداً، لما يتمتعوا به المفسدون من شهرة محلية، وعالمية، وجيوش من الإعلاميين، وشبكات التلفزة المحلية، والعالمية ترافقهم أينما حلّوا، وارتحلوا، بل يلتقط لهم صوراً تلفزيونية وهم يترجلون سلم الطائرة، وهم يصعدون، وكذلك وهم يرعون مباراة خيرية لفريق كادح في البوادي والأرياف، أو إحدى القرى المنسية. نعم منذ سنتين والأعلام يسلط الأضواء عليهم وكأنهم من نجوم ونجمات الهوليود الذين ابهروا العالم بأفلامهم العالمية. الفاسد الوحيد عندنا لا يأتي طواعية للمسائلات القانونية، والأمنية، إلا بوجود جاهه رسمية تبذل معه جهود خرافية حتى يسمح لهم بتناول قهوته العربية، ويأتي وهو يرتدي الملابس الرسمية، وكأنه جاء لقضاء إجازة صيفية.
فاسدتا إذن من نوع مختلف يعامل كما يعامل الأبطال وينال شرف الاحترام والتقدير لانجازاته الوطنية، وتاريخه المشرف، كيف لا؟ وهو الذي أوصلنا إلى العالمية، فثروات بلدنا في دول العلم المتحضر، بل المتطور، أصبحت صناعات كيماوية بل أسمدة زراعية. ألا يحق للفاسد أن يتمتع بثروة هائلة، وشيكات بنكية، ومصايف بحرية، وطائرات نوعية، وشركات عملاقة، مادام أنه خدم الوطن لسنوات طوال، وهو جاثم على مؤسسات البلد، وشعبها الكادح التي تستعر به الأسعار.
الفاسد عندنا بريء حتى تبت إدانته بجرم واقعي، ولا يمكن أن نغتال وطنيته، ونضاله من أجل الوطن بين ليلة وضحاها حتى يتبين الخيط الأبيض من الأسود بعد سنوات طوال، وقد يتوفاه الله بعد عمر مديد، ويدفن في مراسم رسمية وتقدم له الأوسمة الوطنية، ويتباكى عليه الشعب؛ لأنه شخصية وطنية. إذن الفاسد ليس شخصاً ساذجاً يترك له آثاراً واقعية، قد تزجه بالسجون لسنوات أبدية، فهو يعلم مداخل القوانين ومخارجها، ويعلم كيف يصدر الأموال؟. لذلك ليس من السهل على القضاء اصطياده إلا إذا غيرنا القوانين الوضعية بتلك الإلهية.