الحراك الشعبي في عامه الثالث !

يدخل بعد أيام الحراك الشعبي الأردني عامه الثالث متسلحا ببعض انجازات حققها على الأرض ودفعت النظام للتعاطي مع بعض مطالبه بالرغم من عدم كفاية تلك الاصلاحات التي جرت ، ولازالت قائمة المطالب الاصلاحية قائمة وخاصة منها التعديلات الدستورية واسترداد الثروات التي بيعت ومحاسبة الفاسدين وتاجيل الانتخابات النيابية غير التوافقية وما رافقها من ظهور واسع لظاهرة المال السياسي وحكم الأثرياء والتدخلات العربية في المسار الانتخابي ، الى جانب مهام ومطالب كانت متعلقة بحل مجلس النواب واسقاط اكثر من حكومة لم تتعاطى مع المطالب بشكل مناسب ،كما رفض الحراك إقرار بعض قوانين ما سمي باغتيال الشخصية وتعديل قانون المطبوعات ورفض سياسة رفع الدعم عن المواد الضرورية للمواطن ، وخاض مع النظام مواجهة صعبة أسفرت عن وقوع قتلى واصابات واعتقال العشرات ، كما رفض الحراك صيغ الوطن البديل والكونفدرالية مع فلسطين باعتبارها تعد على حقوق الشعبين الأردني والفلسطيني ، وطالبت النخب كذلك بقوننة قرار فك الارتباط والحفاظ على الهوية الأردنية التي شعر الناس ما تواجهه الهوية الأردنية من تحديات ، الى جانب رفض العديد من القوانين والتعليمات والتعيينات والنفقات الباهظة التي كان يكشف النقاب عنها ، فبات الحراك هو العين الساهرة والضابط الوطني لتصرفات النظام هنا ، وهو دور وطني رفيع المستوى كان قد حد من مظاهر الفساد والاعتداء على المال العام وتعيينات المحسوبية والشللية ،وبات الحراك ضرورة وطنية لا بد من وجودها كصمام أمان للحيلولة دون خراب الدولة عموما .
لم تتبدل او تتطور اداة الحراك الشعبي ، وبقي اسير الفعالية الاسبوعية والفعاليات الكبيرة ، متجاهلا عناصر تثقيف الناس واعدادها وتوعيتها ببرامج الإصلاح وضروراته ، ولم نتمكن من تطوير أدوات العمل الاصلاحي القائمة على استهداف لم الناس وحشد طاقاتها واحترام رأيها لو كان مخالفا لنا في بعض اجزائه ، فالطريق طويل ، ونحن بامس الحاجة لمن يقف معنا لا ضدنا ، فالمواجهات التي جرت ضد بعض الحراكات في مناطق ومحافظات عدة من قبل من نسميهم " البلطجية " كان يقودها ابناء المحافظة الواحدة والعشيرة الواحدة ضد أقاربهم ، وهي ظاهرة كان علينا الوقوف امامها وتحليلها والعمل على تجاوزها بالطرق الصحيحة ، فأخترنا حينها اقصر الطرق بفضحهم ومحاربتهم والنيل منهم دون حساب ان ذلك يشد من معاداتهم ويعظمها نولم نضع في اعتبارنا ضمهم او حيادهم على أقل تقدير ، باعتبارهم جزءا من الشعب الذي اصابه ما اصاب الناس جراء تلك السياسات التي اوصلت البلاد الى ما وصلت اليه ،كما عمل البعض على استهداف شخصيات وطنية ورموز حراكية لمجرد أنها كانت تقر بصحة اجراءات الدولة احيانا في جانب ما ، وهاجمت بعض الحراكات لقاءات تمت مع الملك شخصيا او مع بعض المقربين ورجالات الدولة ،واطلقوا عليهم تهم وتسميات لايمكن القبول بها وصلت الى حد التخوين والاتهام بالعمالة ! كما أن بعض الشعارات التي تسمى بالسقوف العالية كانت مدعاة خوف او هروب او رفض الغالبية من الناس الذين كانوا يخشون من اتساع الازمة وبلوغها مبلغ الازمات في الدول المجاورة ، فرفضوا المشاركة والمسير بالرغم من مواقفهم المؤيدة والداعمة لمطالب الحراك رفضا لتلك الشعارات التي أراحت العديد من الفاسدين وباتوا يعلقون فسادهم على النظام نفسه كما كانوا يصرحون بكل وقاحة ، فالقول انه لايجوز لك ان تسمي الاسماء باسمها دوما مقولة صحيحه ، ولا يجوز لنا ان نقول للأعمى يا اعمى ! رغم انه يعاني من العمى ، فالاشارة كافية ان تقرر المقصود والمعني بكل هتاف ، ودون ذلك ، فانه مدعاة تطيير الناس من حولنا بالرغم من قناعاتهم بصحة ما تقول وتهتف به ...
لم تتمكن الحراكات قاطبة ورغم بلوغها السن الثانية من مأسسة الحراك وتنظيم عملها بشكل اداري وبنيوي صحيح بالرغم من الاعداد والكفاءات والخبرات المتوفرة ، فغابت الديموقراطية عن اجواء تلك الحراكات ، وبلغ البعض من رموزها مبلغ " فرعون " في تعاطيه مع زملائه لانه اعتقد ان القيادة ابدية وان لا منافس له في الشارع ، فغاب التنظيم وغابت الديموقراطية ولم تجري الأمور احيانا وفقا لرأي الاغلبية والشورى ، فانحصر دور الحراك في خروج اسبوعي او دوري سرعان ما ينفض على امل اللقاء في المسيرة القادمة ، ولا اعتقد ان هناك حراكا وقف امام كل مسيرة من أجل تقييمها ومراقبة الاداء وطرح الجديد ، وكثيرا ما واجهت بعض الحراكات " صراعات " داخلية لا تنافسية لتحكيم الرأي والتفرد والنزوع الى الأنا التي شوهت من أداء ونضال البعض عبر مجموعات " شللية " تقود بعض الحراكات وتتحكم به ، فكان كل ذلك مدعاة لاضعاف الحراك وتراجع الأداء وغياب التجديد ، وباتت سمة غالبية الحراكات تنطق بنفس المطلب ونفس الاسلوب وتستخدم نفس الأداة دون تجديد ، واحيانا يلاحق ويعتقل نفس الأشخاص من داخل الحراك الواحد !
اعتقد ان إعادة النظر بطريقة وعمل الحراك الوطني الاصلاحي بات يتطلب " تسمين الحراك " بنوعية من الدماء الجديده والبرامج الممكن تحقيقها دون مغالاة او تطرف او استهتار بقوة النظام ، ولذلك ، فأن خطوة الانتخابات الداخلية التي أقدم عليها حراك حي الطفايلة خلال الاسبوعين الماضيين كانت خطوة في الاتجاه الصحيح ،والسير نحو المأسسة وتحديد البرنامج الوطني الاصلاحي والعمل لتحقيقه بعيدا عن كل اشكال المغالاة والتطرف ،فطرحت الادارة الجديدة برامج تثقيف الناس وتوعيتهم واستنهاض طاقاتهم ستبدأ بتطبيقها قريبا كي يساهموا بشكل او باخر في دعم ورفد الحراك بدماء وخبرات جديده لازالت مترددة في المشاركة لغياب البرامج والأدوات التي تساهم في مشاركتهم .