زيارة نتنياهو للأردن
آثرنا التريث في التعليق على ما تردد عن قيام بنيامين نتنياهو بزيارة سرية للأردن، بحث خلالها كما يقال، ملفي «الكونفدرالية» و»أسلحة سوريا الكيميائية»، اعتقاداً منّا، بأن خبر الزيارة قد يكون «مفبركاً» بالكامل، ولأسباب دعائية - انتخابية، يأمل من ورائها رئيس الحكومة الإسرائيلية زيادة عدد أوراقه في صناديق الانتخابات..أما وقد توالت التعليقات المحلية والخارجية على الزيارة، من دون نفي رسمي، فإن التريث ما عاد مجدياً.
وأبدأ بالقول، أن نتنياهو أبدى منذ الانتخابات الفائتة، قبل أكثر من ثلاث سنوات، رغبة في تحسين علاقاته مع الأردن..لكن الرجل وضع إطاراً لهذه العلاقات، لا يمكن القبول به..فهو من جهة أراد إدراجها في مواجهة ما أسماه «التهديدات المشتركة» أو الأعداء المشتركون، وثمة قائمة من الأعداء والتهديدات التي يروّج لها نتنياهو بوصفها تهديدات للأردن كذلك..في صدارتها إيران وحلفاؤها، فضلاً عن القاعدة والإرهاب، ومن دون أن يغفل بالطبع، صعود الإسلام السياسي في المنطقة.
بهذا المعنى، يريد نتنياهو العزف على وتر الصراع المذهبي المحتدم في المنطقة، ومداعبه مخاوف بعض الحكومات العربية (ومن بينها الأردن) من تداعيات الصعود الإخواني في عدد من دول المنطقة، وبشكل خاص، في دول ما كان يعرف بـ»الطوق»، عندما كان الصراع العربي الإسرائيلي في صدارة الأولويات العربية.
لسنا في وراد تأكيد المؤكد مرة أخرى..لكن إيران بالنسبة للأردن وفلسطين على حد سواء، ليست في خندق الأعداء، برغم الخلافات والتداخلات الكثيرة التي لا تجعل العلاقات معها، في أحسن أحوالها..فكرة «تغيير العدو» فكرة إسرائيلية بامتياز، مدعومة من قبل بعض العواصم العربية والدولية، وهي في جوهرها ومبناها، ترقى إلى مستوى الاعتداء على ذاكرة الشعوب العربية والامتهان لعقلها وكرامتها..ثم أن دخول إسرائيل على خطوط التماس المذهبية، من شأنه إضعاف من يعتقدون من العرب، بأن إيران هي العدو، وأن عداوتهم لها، تستلزم «مصادقة» إسرائيل أو كسب ودها على أقل تقدير..فما أن تدخل إسرائيل، مباشرة أو بصورة غير مباشرة، في حلف مع أية أطراف عربية، حتى تفقد هذه الأطراف صدقيتها وتواجه غضباَ شعبياً متزايداً.
أما حكاية «الأسلحة الكيماوية السورية»، فمن نافل القول، أن الذين استخدموا مختلف صنوف الأسلحة والقذائف والذخائر المحرمة دوليا ضد شعبي لبنان (الجنوب) وفلسطين (غزة)..لا يبالون أبداً بما يقترفه نظام الأسد أو الجماعات المسلحة، من قتل متبادل للشعب السوري..الدولة التي تأسست على المجازر والتهجير وجرائم الحرب، لا يمكن أن تتقمص ثوب الواعظ والمبشر باحترام حقوق الانسان وحياته وكرامته..ما يهم نتنياهو هو أمن إسرائيل التوسعية التي تحتل الجولان والضفة الغربية بالحديد والنار، وليس من مصلحة أحد لا في الأردن ولا في أية بقعة في العالم العربي، توفير الضمانات أو التطمينات التي تريح السيد ننتنياهو، وتجعل حملته الانتخابية أكثر يسراً وسهولة، أو تجعله ينام على حرير التعاون والتنسيق الأمنيين، سواء جاء ذلك من قبل السلطة أو الأردن أو أية جهة عربية.
وفي الملف الثاني، الكونفدرالية ، التي يزعم أن نتنياهو جاء ليروج لها، نكتفي بطرح السؤال الساذج التالي: هل السيد نتنياهو وحكومته الثالثة القادمة، مستعدان لإنهاء الاحتلال التي بدأ عام 1967 للضفة والقدس، لصالح «الكيان الكونفدرالي» الجديد؟، أو حتى لصالح الأردن أو السعودية أو بنغلادش؟..إن جاء الجواب بالإيجاب، فإن من الكفر والخيانة، رفض العرض الإسرائيلي..لكننا نعرف أن إسرائيل قبل نتنياهو ومعه ومن بعده، ليست بوارد إنهاء احتلالها للأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967، لا للكونفدرالية ولا للأردن ولا لأية جهة على وجه الأرض..وكل ما يهم السيد نتنياهو، هو البحث عن «تسهيلات» لمشروعه التوسعي - الاستيطاني - الأمني، الذي لن يُبقي من الضفة الغربية، سوى بعض الجيوب و»المعازل» ذات الكثافة السكانية العالية، يلقي بها في وجه «الكونفدرالية» أو الأردن..إسرائيل تبحث عن «مكب نفايات» لبواقي احتلالها واستيطانيها، ولا تبحث في «الكونفدرالية» أو غيرها، وكل ما يشيعه نتنياهو وأركان ائتلافه وحكومته، هو كذب في كذب.
تاريخياً، رفضت إسرائيل في عهد الحكومات العمالية الانسحاب من الضفة لصالح الأردن، نظير سلام وتطبيع منفردين (1967 - 1974) مدعوم ومغطى من الراحل جمال عبد الناصر..وبعد الاعتراف بمنظمة التحرير ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب الفلسطيني، رفضت الانسحاب لصالح كيان كونفدرالي بين الأردن والمنظمة، أرسى دعائمه «اتفاق شباط الأردني الفلسطينية 1985»، الذي مهّد لمفاوضات لندن السرية التي انتهت إلى الفشل في مختتم العام 1987، زمن حكومة التناوب في إسرائيل...وهي رفضت منذ مدريد وأسلو الانصياع للإجماع الدولي الداعي لإنهاء احتلال 1967، لصالح الزعيم الراحل ياسر عرفات ومن بعده الرئيس محمود عباس..وليس ثمة في الأفق ما يشي أو يشير، إلى استعدادها للعدول عن هذا الموقف «الاستراتيجي» طائعة، سيما بعد زرع أكثر من نصف مليون مستوطن في القدس والضفة، واستثمار مليارات الدولارات في بناء الوحدات السكنية وشق الطرق الالتفافية وبناء جدار الفصل العنصري، وتثبيت قواعد السيطرة والاحتلال فوق المرتفعات المطلة على غور الأردن أو تلك المشرفة على مطار بن غوريون.
لا ينبغي لمناورات نتنياهو أن تنطلي على أحد، ولا ينبغي تحت أي ظرف، تمكين هذا السياسي المراوغ والشهير بـ»الكذاب»، أن يستثمر أي لقاء سياسي مع أي زعامة أردنية أو فلسطينية أو عربية..فإنهاء الاحتلال ليس بنداً على جدول أعماله، ولن يصبح كذلك إلا عندما يتأكد ويتأكد معه الرأي العام الإسرائيلي، بأن كلفة الاحتفاظ بالاحتلال باتت أعلى بكثير من كلفه تفكيكه وإنهائه..وتلكم قصة أخرى، بحاجة لبحث آخر.
التاريخ : 01-01-2013