بيزنس سياسي..!



لماذا طلبت الهيئة المستقلة للانتخاب من المرشحين الإفصاح عن مصادر تمويل حملاتهم الانتخابية، وهل الإفصاح ملزم لهم أم اختياري، ثم هل من حقها أن تنشر أسماء المُفصِحين لتكشف الممتنعين..؟!
أنا لا أدافع عن أحد، ولا أريد أن أبحث عن سبب لإخفاء مصادر تمويل أي مرشّح لحملته، وأعلم أن التعليمات التنفيذية للدعاية الانتخابية الصادرة بموجب قانون الهيئة المستقلة للاتتخاب تجيز للهيئة أن تطلب من أي مرشح الإفصاح عن مصادر تمويل حملته الانتخابية وأوجه الإنفاق للحملة، لكن ما الفائدة من ذلك..؟ وإذا كان هذا الإجراء يندرج ضمن جهود الهيئة لمحاربة المال السياسي، أفلا يعتبر إجراءً متأخراً جداً، وهل تنتظر الهيئة من أي مرشّح تحوم شبهات حول مصادر تمويل حملته أن يفصح عن مصادرها الحقيقية..؟!
الهيئة تحاول مشكورة محاصرة المال السياسي في الانتخابات القادمة، والحد من تأثيره على مجرى الانتخابات ونتائجها، لكن وعلى الرغم من الجهد المقدّر للهيئة، ومن بحثها الدؤوب عن سُبُل محاصرة المال السياسي وإدانته وتجريمه، إلاّ أنها لا تستطيع مهما بذلت من جهود السيطرة على المشكلة، فقد بدأ المال السياسي يتسرّب مبكّراً ليرسم ملامح العملية الانتخابية ونتائجها، حتى قبل أن تفتح الهيئة باب الترشّح للانتخابات، ورأينا تجاوزات كثيرة، وشُبّهات في العملية، إلاّ أن أحداً لم يحرك ساكناً، ولعل في ترك الأمور للهيئة المستقلة، وهي هيئة ضعيفة
بإمكاناتها، ولا تملك سلطة لوقف مهزلة المال السياسي وسطوته، هو ما يسهّل على أصحاب هذا المال استخدام أموالهم في قطف ثمار الانتخابات والسيطرة على مجريات العملية الانتخابية، ومحاصرة أصحاب التوجّه الصادق وأهل النزاهة والكفاية من المرشحين..!!
همس أحد الأصدقاء بأذني قائلاً: مؤلم ما نراه في الساحة.. سباق غير متكافيء، أثرياء وأصحاب أموال وثروات طائلة، لا أحد يعرف المصادر الحقيقية لأموالهم وينفقون على حملاتهم المخملية بغير حساب، يتنافسون مع مرشحين فقراء ومتواضعي الحال، كيف يتفق هذا والنزاهة، ولماذا لم تكن هناك معايير وأسس صارمة ودقيقة في قبول الترشيحات، وأول هذه المعايير التحقق من مصادر ثروة المرشّح، ورفض أي مرشّح تحوم حول ثروته الشُبُهات، أما أن تُقبل الترشيحات دون تحقق من مصادر الثروات، فتلك معضلة، قد تُلحِق بنزاهة الانتخابات وصدقيتها أذىً كثيراً..!!
يا سادة في الهيئة المستقلة، لا ينفع ما تقومون به، ولا يستقيم أن تطلبوا من المرشحين الآن أي إفصاح عن مصادر تمويل حملاتهم الدعائية.. ما الهدف من ذلك، وهل تنتظرون أن يخبركم أحدهم أن مصادر إنفاقه على حملته من الجهة الفلانية أو الدولة العلانية..!!؟
الهيئة ضعيفة الإمكانات، وعلى السلطة السياسية والأمنية في الدولة أن تتحقق من ثروات المرشحين، وهي تعرف دون شك مصادر ثرواتهم، وتدرك فيما إذا كانت مشروعة أم غير مشروعة.. فلماذا تعب البال إذن، ولماذا بذل جهود ضائعة في وقت ضائع..!؟
ثمّة مشكلة في إسناد إدارة الانتخابات والاشراف عليها لهيئة مستقلة لا تملك سلطة، وعدم امتلاكها للسلطة قد يُضعِف دورها بشكل كبير، ولكن هذا الدور قد يتّصف بالقوة إذا مكّنت الحكومةُ الهيئةَ من تكريس إمكانات الأولى الأمنية والاستخبارية في سبيل كشف المال السياسي، وتسرباته من هنا ومن هناك..!!
نعرف أن بعض المرشحين مستعدون لإنفاق الملايين على حملاتهم، وقد فعل بعضهم ذلك، ومن واجب أجهزة الدولة المعنية، وليس الهيئة المستقلة، أن تعرف من أين جاءوا بهذه الأموال، لأن منْ ينفق مليوناً على حملته، على سبيل المثال، لا بد أنه يمتلك عشرات أضعاف هذا المبلغ، فكيف جاء بهذه الأموال، وهل دفع ضريبتها السنوية..!!؟
تحديات المال السياسي و "البيزنس" السياسي أمام الهيئة المستقلة كبيرة، ومن الظلم أن تتحمل الهيئة المسؤولية وحدها، أو لعلها لم تستفد من إمكانات أجهزة الدولة المختلفة التي وضعها القانون بين يديها لخدمة نزاهة الانتخابات..
أرجو أن تفسّر لنا الهيئة المستقلة معادلة المال والبيزنس السياسيين وهل سيُنتجان انتخابات حرة ونزيهة....؟!!
أما آخر الكلام فأقول: إن انعقاد مجالس الحكماء دليل ساطع على الفوضى الخلاّقة..!

Subaihi_99@yahoo.com