التَعْقيباتْ عَلى بَعض ما أورده أبو معاوية البيروتي مِنْ تَعريفاتْ




الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وبعد :

لقد أطلعت على بعض مقالات أبو معاوية البيروتي في التعريفات بآل كبار الصحابة والعلماء والأدباء , فوجدتها طيبة في تسهيل العثور على ذرية هؤلاء الأعلام , إلا أنه في بعض مقالاته كان ( حَواشْ ) يجمع الرطب واليابس دون تمييزاً وتحقيقاً , إنما يجمع ما وجد ويسردها في مقال !!

وهذا ليس من منهج أهل التحقيق والغربلة , لا سيما أن مقالاته في التعريفات التي نحن في صدد التعقيب عليها , قد تكلم عليها أساتذتنا من أرباب علم الأنساب , فلم نجد للبيروتي تعليق أو توضيح في الكلام على ذرية بعض الأعلام , لا سيما أن هذا الأمر يتعلق بالأنساب فكان حري به أن يرجع الى أهل النسب .

ومن مقالاته التي وقفت عليها ووجب التعقيب والرد عليها , مقالته حول ( آل أبي ذر الغفاري ) و ( آل الألوسي ) .


الوقفة الأولى : ذكر ابو معاوية البيروتي في ( التعريف بآل الصحابي أبي ذر الغفاري ) أن من أبناء أبي ذر الغفاري ( ذر , عبدالملك ) وأستشهد ببعض المراجع , إلا أن ابو معاوية البيروتي لم يبين للقارئ أن الصحابي الجليل أبي ذر الغفاري قد دَرجَ عقبه , لا سيما ان مقاله يتعلق بعلم الأنساب والكلام على عقب الرجل , ومع ذلك فلم يعلق وينبه على ذلك .

فأعلم رحمك الله أن أبي ذر الغفاري قد درج عقبه , كما ذكر ذلك ابن قتيبة في ( المعارف ) ( 2/2) حيث قال : ( ورأيت من رغب بنفسه عن نسب دق فأنتمى الى رجل لم يعقب كرجل رأيته ينتمي الى أبي ذر الغفاري ولا عقب لأبي ذر ... ) أنتهى .

وقال ابن حبان في ( الثقات ) ( 1/132) عند ترجمة أبي ذر الغفاري : ( أبو ذر جندب بن جنادة بن سفيان بن عبيد بن حرام بن غفار بن مليل بن ضمرة بن بكر بن عبد مناف بن كنانة بن خزيمة الغفاري , هاجر إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو أول من حيي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بتحية الإسلام , ومت قال إن اسم أبيه برير أو السكن , فقد وهم ؛ مات سنة اثنتين وثلاثين في خلافة عثمان بن عفان , ولا عقب له , كان سيره إلى الربذة ولموته قصة طويلة , وقبره بالربذة .. ) أنتهى .

وقصة موت أبي ذر الغفاري ـ رضي الله عنه ـ تبين أنه قد درج عقبه , حيث توفي أبي ذر الغفاري بفلاة ولم يكن معه سوى إمرأته أم ذر حيث كانت تبحث عن رجال كي يكفنون أبي ذر , والقصة نوردها للبيان كما أخرجها ابو نعيم الأصفهاني في ( معرفة الصحابة ) ( 1470) بسنده قال : (حدثنا أبو عمرو بن حمدان، قال‏:‏ ثنا الحسن بن سفيان، أنبأ عباس بن الوليد، ح وحدثنا أبو حامد أحمد بن محمد بن جبلة، ثنا محمد بن إسحاق، ثنا الحسن بن الصباح، قالا‏:‏ ثنا يحيى بن سليم، ثنا عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن مجاهد، عن إبراهيم بن الأشتر، عن أبيه عن أم ذر، قالت‏:‏ ‏"‏ لما حضر أبا ذر الوفاة بكيت، فقال‏:‏ ما يبكيك‏؟‏ فقلت‏:‏ مالي لا أبكي وأنت تموت بفلاة من الأرض‏؟‏ وليس عندي ثوب يسعك كفنا لي ولا لك، قال‏:‏ فلا تبكي وأبشري؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لنفر أنا فيهم‏:‏ ‏"‏ ليموتن رجل منكم بفلاة من الأرض يشهده عصابة من المسلمين ‏"‏، وليس من أولئك النفر أحد إلا وقد هلك في قرية وجماعة، وأنا الذي أموت بفلاة، والله ما كذبت ولا كذبت، فأبصري الطريق، قالت‏:‏ فقلت أنى وقد ذهب الحاج، وانقطعت الطرق‏؟‏، قال‏:‏ اذهبي فتبصري‏.‏ قالت‏:‏ فكنت أجيء إلى كثيب فأتبصر، ثم أرجع إليه فأمرضه، فبينا أنا كذلك إذا أنا برجال على رحالهم كأنهم الرخم، فألحت بثوبي فأقبلوا حتى وقفوا علي، وقالوا‏:‏ ما لك يا أمة الله‏؟‏ قلت‏:‏ امرؤ من المسلمين يموت تكفنونه قالوا‏:‏ ومن هو‏؟‏ فقلت‏:‏ أبو ذر، قالوا‏:‏ صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم‏؟‏ قالت‏:‏ قلت‏:‏ نعم، قالت‏:‏ ففدوه بآبائهم، وأمهاتهم، وأسرعوا إليه، فدخلوا عليه، فرحب بهم، وقال‏:‏ إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لنفر أنا فيهم‏:‏ ‏"‏ ليموتن رجل بفلاة من الأرض يشهده عصابة من المؤمنين ‏"‏، وليس من أولئك النفر أحد إلا وقد هلك في قرية وجماعة، وأنا الذي أموت بالفلاة، أنتم تسمعون أنه لو كان عندي ثوب يسعني كفنا لي أو لامرأتي لم أكفن إلا في ثوب لي أو لها، أنتم تسمعون أني أشهدكم أن يكفنني رجل منكم كان أميرا أو عريفا، أو بريدا، أو نقيبا، فليس من القوم أحد إلا قارف بعض ما قال إلا فتى من الأنصار‏.‏ قال‏:‏ يا عم أنا أكفنك، لم أصب مما ذكرت شيئا أكفنك في ردائي هذا، أو ثوبين في عيبتي من غزل أمي حاكتهما لي فكفنه الأنصاري في النفر الذين شهدوه، منهم حجر بن الأدبر، ومالك الأشتر، ونفر، كلهم ثمانية ورواه محمد بن كعب القرظي أن ابن مسعود أقبل في ركب، نحوه مختصرا ..... ) أنتهى .
وأخرجها ايضاً ابن حبان في ( صحيحه ) ( 6670) واحمد في (مسنده ) ( 20865) وحسنها المحدث الألباني في ( صحيح الترغيب والترهيب ) ( 3314) .

أما القصة التي يسندونها الى الصحابي عبدالله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ وفيها حديث ( رحم الله أبا ذر , يمشي وحيدا , ويموت وحيدا , ويبعث وحيدا ) فهذه القصة والحديث ضعيف لا يثبت , وعلته ( بريدة بن سفيان ) ضعفه البخاري والنسائي والدارقطني .



الوقفة الثانية : سمى أبو معاوية البيروتي مقالته عن آل الألوسي بـ ( التعريف بأل الألوسي الأشراف ) !!

قلت : ومن هو الذي نسبهم إلى الأشراف ؟؟!!! وهل هو نسابة محقق ؟!!

لماذا التساهل في نسبة بعض الناس الى الأشراف ؟!! هذا أمر خطير , فمسألة النسب العلوي ليس بالهين لما يترتب عليه من أحكام , فوجب إلتزام الدقة والغربلة والتحقيق على منهج أهل النسب وأهل الحديث , لا أن تنسب فلان الى الأشراف هكذا !!

فقد قال السخاوي ـ رحمه الله ـ : ( وعجيب من قوم يبادرون إلى إثباته ـ أي النسب الشريف ـ بأدنى قرينة وحجة موهمة يسألون عنها يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ) .

ونسب آل الألوسي لا يمت بصلة إلى الأشراف لا من قريب ولا من بعيد , فهم ينتسبون إلى الحسين بن علي ـ رضي الله عنه ـ من طريق ( عبد القادر الجيلاني ) !! كما هو حال أهل التصوف , ومن المعلوم أن عبدالقادر الجيلاني فارسي النسب وليس عربياً .

فقد أورد البيروتي في مقالته ( التعريف بآل الألوسي الأشراف !! ) قول عبدالرازق البيطار في ( حلية البشر في أعيان القرن الثالث عشر ) : ( ينتهي نسبه الشريف من جهة الأب الى سيدنا الحسين , ومن جهة الأم الى سيدنا الحسن , بواسطة الرباني والهيكل الصمداني سيدي عبدالقادر الجيلاني قدس سره ...... ) !!!!!!
ومن المعلوم أن عبدالقادر الجيلاني هو ابن جونكي دوست من الفرس , لكن سنة أهل التصوف هو الإلتصاق الى آل البيت بالحجج المضحكة , لا سيما أن بيت الألوسي كان منهم بعض رجال التصوف ومنهم جاء إدعاء هذا النسب .

لا سيما ان سلسلة أنساب الألوسي فيها التناقض والتضارب , والإنتساب الى الحسين بن علي ـ رضي الله عنه ـ من جهة عبدالقادر الجيلاني الفارسي أمر مضحك ودليل على بطلان إنتسابهم للأشراف فقد قال العمري في ( مشجراته ) (57) : ( نسبوا هذا الشيخ محي الدين عبد القادر الكيلاني الى عبد الله بن محمد بن الرومية يقال لولده بنو الرومية كما يقال محمد المذكور ، ولم يدَّع الشيخ عبد القادر هذا النسب ولا احد من أولاده وإنما ابتدأ بها ولده القاضي أبو صالح نصر بن ابي بكر بن عبد القادر ولم يقم عليها البينة ولا عرفها له أحد على ان عبد الله بن محمد بن علي رجل حجازي لم يخرج من الحجاز وهذ الاسم أعني جنكي دوست أعجمي صريح كما تراه فلا طريق في إثبات هذا النسب الا البينة العادلة وقد اعجزت القاضي ابا صالح واقترن بها عدم موافقة جده الشيخ عبد القادر وأولاده له والله سبحانه وتعالى أعلم . ).


قال تاج إبن زهرة في كتابه (غاية الاختصار في اخبار البيوتات العلوية المحفوظة من الغبار) (43) :
( والى بني الجون يدّعي النسب بيت الشيخ عبد القادر الكيلاني المدفون بباب الازج ببغداد رحمه الله ، يدّعون النسب الى محمد بن داود بن موسى بن عبد الله بن موسى الجون. أظهر أولاد الشيخ العجائب ورووا عنه من الاخبار ما لا يصح نقله ولا يجوز اعتقاده ، وقام بعضهم بعد إنقراض الخلافة العباسية وإمكان إدعاء كل شيء يدّعي النسب للحسن وفشت دعواهم واهل النسب لا يقولون بها ويصرّحون بكونهم ادعياء. والشيخ عبد القادر رحمه الله كان رجلاً جليلاً صالحاً لم يدّع هذه النسبة وادعاها احفاده وهو من بطون بشتبر بن فارس ، والله العالم .).


وقد تكلمت على هذه المسألة في ردي على المتطفل على علم الأنساب المدعو كمال الحوت الزنيم , الهرري مشرباً الذي يزعم بأنه شريفاً زوراً وبهتاناً في رسالتي ( الشهب العلمية في بيان جهل كمال الحوت وبطلان كتابه جامع الدرر البهية ) المنشورة على صحيفة ( زاد الأردن الأخباري ) .


وبيت الألوسي خرج منه علماء أجلاء من فحول أهل السنة والجماعة كنعمان الألوسي صاحب ( جلاء العينين ) والأديب العلامة محمود شكري صاحب الكتاب الرائع والنفيس ( غاية الأماني في الرد على النبهاني ) .


ولهذا فإن الكاتب ابو معاوية البيروتي في مقالاته هذه , أبتعد عن دروب أهل التحقيق ولم يسلك مسلك أهل النسب لاسيما ان الأمر يتعلق في الأنساب .


وكتبه :
أحمد بن سليمان بن صباح ابوبكرة الترباني