إنتخابات الاردن: قبل وقوع الفأس بالرأس
لابدّ من التحدث بصراحة قبل وقوع الفأس بالرأس مجددا عبر انتخابات نيابية في الأردن المطلوب منها إعادة تأهيل النظام داخليا وخارجيا، وهو هدف شرعي مطلوب بقوة لكن لا توجد مؤشرات تعزز القناعة بإمكانية الوصول إليه عبر الآلية الحالية التي تجري فيها تنتخابات 2013.
ليس سرا إطلاقا في عمان تواتر الحديث عن دور المال السياسي المشبوه في العملية الانتخابية، ولا عن دور المال السياسي المتوقع على شكل 'دفعات' يقال انها ستخصص لاحقا لنحو 80 مرشحا بهدف تحريك الشارع الانتخابي.
أحد المرشحين يدفع مالا مهولا حتى يضمن ليس النجاح فقط بل السيطرة على كتلة الأغلبية مسبقا، وهذا المرشح لا تتحدث عنه الشائعات ولا الصحافة بل كبار المسؤولين وفي جميع مجالسهم الخاصة.
مرشح آخركان وزيرا في إحدى الحكومات يعرف الجميع أنه مدين لأحد البنوك بأكثر من نصف مليون دولار، لكنه نزل كالحوت في إحدى دوائر العاصمة عمان الفقيرة ورفع يافطات عملاقة وصوره الملونة تنتشر على كل عمود كهرباء وجسر وحائط دون أن يعرف أي ناخب من أين جاء بالمال.
ببساطة وعلى كل المستويات تساهلت السلطات والمؤسسات مع المرشح الذي ظهر امام الكاميرات وهو يعرض تسعة آلاف بطاقة انتخابية حجزها في مكتبه الشخصي ثم صرح بأنه يحتفظ بها كأمانة لأن أصحابها طلبوا منه ذلك لإحراقها إذا ما رفعت الحكومة الأسعار مجددا.
شخصيا أقترح على صاحبنا أن ينفذ الوعد والالتزام، فقد صرح رئيس الوزراء في مدنية المفرق بأن أسعار الكهرباء سترفع لاحقا.
في منزل عزاء والدة الشيخ زكي بني إرشيد في مدينة الزرقاء سأل أحد المرشحين المحتملين زائرا معزيا: هل صحيح أن الانتخابات ستزور؟ أجاب المسؤول: إذا رأيت اسمك تحديدا بين المرشحين سأوقن بأنها مزورة سلفا.
أنا شخصيا سألني أحد المرشحين عما إذا كان من اللائق قبول مبلغ مالي مغر جدا لضمان صوته مقدما لمصلحة مرشح ثري يقول لناخبيه مسبقا بأنه سيكون زعيم الأغلبية وسيركب رئاسة الحكومة المقبلة. وأحد الأصدقاء حدثني عن قصة مماثلة.
لا يقف الأمر عند المال السياسي الذي يعترف بوجوده رئيس الهيئة المستقلة لإدارة الانتخابات عبد الإله الخطيب، بل يتعداه إلى قصور فاضح وواضح في التصدي للظاهرة ومراقبتها ومنعها، فالأجهزة المعنية تعمل في نطاق ضيق للغاية لأن التصدي الفعلي للمال السياسي يهدد نسبة الاقتراع عمليا، مما يعني بأن الحاجة لنسبة اقتراع معقولة يمكن تسويقها للخارج والداخل قد تنتهي بصرف النظر عن مخالفات المال السياسي ودوره السلبي في الإساءة مجددا لمنظومة الانتخابات.
نعترف بأن المواطن الأردني عموما لا يتمتع بمواصفات انتقاء وانتخاب ديمقراطية، وبأن قواعد واسعة من الناخبين البسطاء تبدي الاستعداد لبيع أصواتها وضميرها، وأن التزوير الشعبي قد يكون أكثر خطرا من التزوير الرسمي لكن ذلك لا يعفي السلطة من مسؤوليتها عن ترك الساحة لحيتان نافذين ما زالوا يؤمنون بإمكانية شراء كل شيء في البلاد بما في ذلك صناديق الاقتراع ومواقع القيادة.
الانتخابات الوشيكة تجري في ظل قانون انتخاب سيىء وبدون توافق وطني، وبعد رفع الأسعار والتهديد العلني برفعها وبدون مشاركة حقيقية لوجوه سياسية ووطنية متعددة يعتد بها.
وستجري بعدما نقل سياسيون كبارعن مرجعيات القول بأن أفضل قانون عرفته البلاد مؤخرا هو قانون الصوت المتعدد الذي اقترحته لجنة الأجندة الوطنية.
إحتمالات عودة نفس الوجوه الكالحة التي رأيناها في البرلمان السابق هي الأرجح، واحتمالات النسبة المتدنية للاقتراع هي التي قد تنتهي باختراق منظومة النزاهة والمعارضة الحقيقية برمتها خارج المشهد ،إضافة للمئات من السياسيين المخلصين الخائفين على النظام من أخطاء مؤسساته وأداء بعض رموزه المراهق.
البرلمان المقبل وفقا لمسؤول بارز في مؤسسة القصر لن يسارع للتفكير بقانون انتخاب جديد وعصري والحكومة البرلمانية المأمولة ستنتظر على الأغلب لعدة أشهر قبل تبلورها وهي أشهر كافية لكي يكتشف الناس أنهم مضطرون للخروج مجددا للشارع وهم يهتفون بإسقاط البرلمان.
الكتل المتوقعة في برلمان 2013 ستكون 'هلامية' وتتأسس على المصالح الفردية وليس على البرامج السياسية، والناخبون الذين سيجازفون فعلا بالتوجه للصناديق في واحد من 'أبرد' أيام السنة لا يمثلون ولا حتى أقلية من الأردنيين.
وبعض الأجهزة المعنية بأمن المجتمع والدولة والنظام ستعتقد فورا أن مهمتها المقدسة التالية هي 'رفع نسبة الاقتراع' وبأي ثمن، لأن مؤسسة القرار حشرت الجميع في معادلة تقول بوضوح اليوم بان كلفة تأجيل الانتخابات أكبر من كلفة المضي قدما بها بمن حضر.
مسألة نسبة الاقتراع بدا واضحا أنها الهاجس الأهم اليوم في كل غرف القرار، فحتى خبراء تزوير الانتخابات من منافقي النظام الموسميين يعتقدون هذه المرة بأن التزوير سيكون مكلفا للغاية.
لكن بعض المؤشرات لا تبعث إطلاقا على الاطمئنان لا من حيث سير العملية الانتخابية، ولا من حيث النتائج المأمولة، فالخارطة الأولية تشير إلى ان هوية البرلمان المقبل ستكون مزيجا ما بين ممثلي الثقل العشائري ورموز المال السياسي.
العشيرة مهمة وأساسية ولها دور إجتماعي محترم ومقدر لكنها لا تصنع وطنا ولا تكفي للحفاظ على بقاء نظام ، والمال السياسي من الصعب استئصاله في أي مجتمع يحبو نحو الديمقراطية، لكنه يبقى حجة على الديمقراطية والنزاهة، فمن يبيع ويشتري في الانتخابات يبيع ويشتري بالتشريعات وبالمؤسسة وبالنظام لاحقا.
وتتوفر قرائن قوية على أن القوائم الانتخابية الهلامية التي هاجمت عملية الانتخابات بدون أحزاب أو برامج اليوم تخرجت في غرف مظلمة كانت دوما سببا في تزوير انتخابات 2007 و2010 ،وهو تزوير أجزم بأنه انتهى اليوم بالإصغاء الى الجزيرة مباشرة لنغمة نشاز تقول بإسقاط النظام.
رؤساء حكومات جرت في عهدهم انتخابات مزورة إعترفوا علنا بأن التزوير حصل من وراء ظهرهم، وأحد المخضرمين قال لي شخصيا ما يلي: المسؤولون الكبار في الحكومة وهيئة الانتخاب صادقون عندما يقولون بأن الانتخابات لن تزوير فهي لن تزور بعلمهم ولا عبرهم.
من يقول كل ذلك ليس إسرائيل التي تتآمر على النظام الأردني ويستقبل رئيس وزرائها المجرم بنيامين نتنياهو في عمان، وليس المعارضة أو الحراك..من يقوله نخبة من أركان الدولة والنظام وأبناء الأردن المخلصين الأوفياء بينهم رؤساء وزارات وضباط كبار ومسؤولون سابقا، يضعون أيديهم على قلوبهم اليوم خشية مجازفة الانتخابات المقبلة.
قال ذلك أحمد عبيدات وعون الخصاونة وسمير الحباشنة وعلي أبو الراغب وغيرهم من أبناء النظام والمؤسسة، وقالوه بكل اللغات وعلنا وفي أكثر من مناسبة.
ليس صحيحا إطلاقا أن إجراء الانتخابات وصل لنقطة 'اللاعودة'، فالعودة ممكنة والتراجع عن الخطأ صواب والإستدراك دليل على الحيوية، فالقيادة ينبغي أن لا توضع كما يقول المخضرم زيد الرفاعي امام خيار استراتيجي واحد فتلك حماقة ترتقي إلى مستوى الخيانة.
والشعب الأردني سيرحب بتأجيل الانتخابات ويشعر بالاسترخاء وسيصفق عندما يتجنب النظام بقوة وصرامة وصلابة خيارات الوقت الضيق والقرارات الخاطئة.
لذلك وعليه أنصح بإيجاد وسيلة من أي نوع لتأجيل الانتخابات حتى لا تقع الفأس بالرأس، ففي الأردن مؤسسة تمثل الجميع ويحتاجها الجميع ولا ينقلب عليها إلا مختل وجاحد أو متآمر.