أوراق الملك..


ما الرؤية التي يحملها الملك للإصلاح في الأردن..؟ سؤآل وجيه ومهم، سيجيب عليه الملك من خلال أوراق يطرحها للحوار قريباً، وسوف يجد الأردنيون المهتمون بالإصلاح أنفسَهم أمام فرصة لمناقشة أفكار الملك، والدخول في فهم معالم المرحلة المقبلة، وهي فرصة قد لا تسنح دائماً، لكنها تعكس اهتمام الدولة الأردنية من أعلى الهرم بمسألة الإصلاح وتطوير الحياة السياسية الأردنية، وصولاً إلى الدولة الديمقراطية التشاركية الحديثة.
مشكلتنا في الأردن أننا كثيراً ما نتحاور حوار طرشان، وقد شهدنا حالة غير مسبوقة من تضارب الأفكار، وعدم الاستماع إلى الآخر، وكنا في كل مرة، نَعِد أنفسنا بالمستقبل، ونتمنى أن نحقق شيئاً من الإنجاز الحقيقي على طريق الحياة السياسية، ولكننا فشلنا في إحراز النجاح الذي نريد، ووقفنا أمام حالة عجز تراكمي كبير في الإحاطة بمكنون العملية الإصلاحية وبما نريد، وتراجعت مع هذه الوقفة، نظرة الطموح لدينا، وارتفع منسوب الإحباط، والسبب أننا لم نستوعب دروس الإصلاح التي شرعنا بالتخطيط لها قبل أي دولة عربية أخرى، لا بل قبل أن يبدأ الربيع العربي بكثير، وكلنا نذكر الجهد الكبير الذي بذلته الدولة في التخطيط والتنظير ووضع الأفكار، وقد تراكم لدينا الكثير من الأفكار والتحليلات والتشخيصات، التي تحمل حلولاً لمشاكلنا وتطلعاً طموحاً لمستقبل زاهر، ولكننا لم نستطع أن نحقق شيئاً على أرض الواقع، لا بل تراكمت لدينا المشاكل، وتنامت في جعبتنا الأزمات، وتعاظمت العثرات على الطريق، حتى أصبحنا أمام وضع حرج، شهدنا خلاله تبدلاً سريعاً في "ميكانيزمات" العمل العام، وأخفقت معه الحكومات في إقناع الناس بقدراتها وتوجّهاتها الإصلاحية، وتوسعت الفجوة بين الشعب والحكم، وشهدنا حكومات تسيير أعمال وحكومات إحلالية بشخوص رؤسائها، ولم يحدث التغيير الموضوعي الذي يتطلع الناس إلى قطف ثمراته..!
الآن، أصبحت الحاجة إلى حوارات وطنية متصلة ضرورة، وكنّا دعونا سابقاً إلى أهمية أن يتصدر الملك مائدة الحوار، ويقود أطرافه بنفسه، لأنّ لا أحد يملك الإجماع والثقة التي تؤهله لقيادة حوار وطني عام في البلاد غير الملك.. ومن هنا ننظر إلى ما سيطرحه الملك من أوراق ورؤى إصلاحية من منظور المصلحة العامة، ومن منظور الخروج من حالة "حوار الطرشان" وهي حالة مؤلمة وخطيرة، وفي حال استمرارها سوف تؤدي إلى نتائج كارثية على الوطن.
كنا في وقت سابق كثيراً ما نسمع بأن الدولة لا تريد أن تسعى في الإصلاح، وأن السلطة متمسكة بخياراتها وحدها، وأنها لا تريد أن تستمع إلى غيرها، وإن استمعت، لا تلبث أن تنسى وتتجاهل، ولا تفعل إلاّ ما يدور في رأسها فقط، وهي قناعة تشكّلت لدى شريحة واسعة من أهل الفكر والسياسة والثقافة الذين لم يُصنّفوا على أنهم من أهل "النوادي" أو من أهل "الثقة" ولم ينالوا حظهم من السلطة، كما لم يُمكّنوا من المشاركة في إدارة العجلة، لا بل داستهم حراكات الانتهازيين والمنافقين ووقفوا أمام بهلوانياتهم مذهولين صامتين، في الوقت الذي كانت فيها العجلة تدور بصورة عكسية كاملة تاركة وراءها فلولاً من الهاربين والمشوّهين والضائعين..!!
السؤآل الآن: هل ستعيد أوراق الملك القطار إلى السكّة، وهل سيتمكّن بعض أهل النزاهة والفكر، ويتمكّن السياسيون الأنزاه من المشاركة في التغيير..؟!
الإجابة على هذا السؤال بالإيجاب مرهونة بعدم التدخل في أوراق الملك، وعدم تجييرها لصالح هذا الفريق أو ذاك..! هي أوراق للوطن، وعلينا أن نناقشها على هذا الأساس، وإذا استطعنا، سوف نجد أمامنا فرصاً واسعة للإصلاح غير المشروط، وغير المجيّر، وغير المنقوص.
المهم أن نقرأ أوراق الملك باهتمام، ونتحاور فيها بموضوعية، حتى نتخلّص من فساد الاجتهادات التي أعادتنا إلى الوراء، ولا تزال تُعمِل فينا فساداً وتدميراً.. والمهم أن تفتح أوراق الملك ملفات جَهِدنا في إنجازها بدءاً من الميثاق الوطني مروراً بالأجندة الوطنية ووثيقة كلنا الأردن، وانتهاءً بمخرجات لجنة الحوار الوطني إلاّ إذا كان البعض يعتقد بأن هذه الوثائق والمخرجات لم تعد صالحة للمرحلة القادمة، وأنه من العبث البناء عليها..!!

Subaihi_99@yahoo.com