"ذات راس" و"منشية بني حسن"!

في إجازتي الاخيرة في عمّان، قضيتُ الشهر كاملاً في البيت، وأنفقتُ أغلبه امام التلفزيون، أبحث عن شيء ممتع لا يشغل الذهن، فاهتديت لقناة أردنية رياضية جديدة،..وهكذا قضيتُ الوقت اتابع مباريات الدوري الأردني!فضلاً عن المعلقين الرياضيين الشباب المرحين؛ الذين سينجح بعضهم بشكل باهر لو اتجه للكوميديا التلفزيونية، كانت المباريات ممتعة، واكتشفتُ حَدثاً جديداً، هو صعود ناديين جديدين الى واجهة المشهد الرياضي، هما "ذات راس" و "منشية بني حسن"، وأعجبني طموح الناديين، وتجرؤهما على منافسة القطبين التقليديين (الوحدات والفيصلي)، وإصرارهما على الظهور في مقدمة الصورة، دون رهبة أو تهيّب، بل أذكر أن أحدهما او كليهما فاز أو فازا على الفريقين الكبيرين!ليس هذا ما يهمّني؛ فأنا لستُ رياضياً ولا أعرفُ في الرياضة شيئاً، لكنني كنتُ مستمتعاً بفكرة أن يتجرأ فريقان شابّان على العجوزين التقليديين، وأن يحاولا كسر هذه النمطية التي صبغت المجتمع الأردني حدّ الملل، حيث لم تعد ممتعة أبداً هذه القِسمة العمودية بين الناس: وحدات وفيصلي!صار ضرورياً لألف سبب، رياضي وغير رياضي، كسر هذه المعادلة التي أرهقت عقول الناس ومشاعرهم، وتسببت دائماً بحساسيات فائضة عن حاجة مجتمعٍ مرهق وجائعٍ وفقير ولا تنقصه أسباب الهموم!وصار ضرورياً، أيضاً، تشجيع حالةٍ من الرياضة، الرياضة البحتة، التي تعيد الاعتبار لكرة القدم كلعبة؛ وهو الأمر الذي نسيه الأردنيون تماماً، وإعادة توزيع الحظ أيضاً، حيث إن كثيراً من هذه الأندية غير الفاقعة الصيت تضم لاعبين محترفين جداً، لكنهم لم يملكوا الحظّ ولم يحالفهم الإعلام، ولا بد من دعمهم جماهيرياً وإعلامياً لتفكيك هذه المتلازمة المَرَضية التي جعلت مجتمعنا يقيم كل حساباته الرياضية، وغير الرياضية، على أساس وحدات وفيصلي!ليس الأمر بالتأكيد تقليلاً من شأن الناديين الكبيرين، والتاريخيين، ولا من فكرة الحماسة والانحياز لنادٍ دون آخر، فهذه من بديهيات حقوق الفرد، وفي كل الدول نجد ناديين كبيرين يقسمان 80 % من الجمهور لصالحهما، وتتقاسم كل الأندية الباقية العشرين بالمئة الأخرى؛ كما يفعل "الأهلي" و"الزمالك" في مصر، و"ريال مدريد" و"برشلونة" في اسبانيا، بل ان هذين الاخيرين تخطّيا اسبانيا ليقسما العالم! لكن الحديث هنا مختلف، حيث يحتاج المجتمع الأردني الى هزة رياضية تعيد ترتيب الأوراق وتختبر الجمهور، وتجعله أمام سؤال الرياضة، والرياضة فقط!فقد تعب الناس من تصنيفهم في الطرقات حسب ألوانهم المفضلة، واتّسع الخرق على الراتق، وصار لزاماً أن ننتبه للفارق بين النادي والحزب، خصوصاً أن مجموع أعضاء وأنصار الاحزاب الأردنية لا يجمع ما يساوي جمهور أحد الناديين الكبيرين!لذلك سعدتُ بالفريقين المندفعين كفرسي سباق "ذات راس" و"منشية بني حسن"، لعلّهما يعيدان الكرة الى الملعب بعد أن خرجت منذ زمان طويل الى المدرجات .. وضلّت هناك!ibrahim.gaber@alghad.jo