ورقة بيضاء!

لم أرصد أي تعليقات ذات بال، على بحث بالغ الخطورة أعده البروفيسور سرجيو ديلي بيرجولا من الجامعة العبرية في القدس ونشرته صحيفة هآرتس في 14 ديسمبر/كانون الأول الجاري، سوى تعقيب أكثر خطورة، نشرته الصحيفة نفسها، هذا التعليق جاء على لسان رئيس جهاز «الشاباك» السابق «يوفال ديسكن» دعا فيه الجمهور الإسرائيلي إلى التصويت في الانتخابات المقبلة ببطاقة بيضاء كإشارة إلى رفض حالة غياب الزعامة والأزمة القيادية التي تعصف بـ»إٍسرائيل» ومن أجل دفع عجلة التغيير وتشكيل ضغط على النخب السياسية من القواعد الشعبية، كما يقول، تعقيبا على هذا البحث، على الرغم من إشارته إلى «أن هذا البحث مهم جدا ومقلق جدا رغم أن هذا يعبر عن مجرد مشاعر وليس هجرة فعلية, إلا أن هذه حقيقة أسمعها من كثيرين حولي, وهذه التوجهات نابعة أيضا من أزمات اقتصادية وأزمات زعامية وأزمات قيمية».

البحث يظهر أن الهجرة العكسية من إسرائيل في الآونة الأخيرة، ازدادت على نحو لافت، وينقل عن تقارير رسمية ودراسات أكاديمية أن نحو 26 ألف إسرائيلي غادروا البلاد كل عام خلال السنوات الأربع الماضية. وبحسب مكتب الإحصاء المركزي، فإن معظم المغادرين هم من الشباب والأكاديميين ممن يبحثون عن فرص للتعلم والعمل، خاصة في ألمانيا وكندا وأستراليا والولايات المتحدة. ويبلغ متوسط أعمار الإسرائيليين المغادرين 28 عاما، ويشكل اليهود الروس 40% منهم، إذ يعودون لـ «وطنهم» الأم أو ينتقلون للولايات المتحدة ودول غربية أخرى. ويبدو أن عدد المهاجرين مرشح للتصاعد في السنوات القادمة لعدة أسباب مقابل توقف للهجرة اليهودية إلى إسرائيل تقريبا، منذ هجرة مليون روسي للبلاد في 1990 غداة انهيار الاتحاد السوفياتي.

النتيجة الأكثر أهمية التي يظهرها البحث أن 40% من الإسرائيليين يفكرّون في الهجرة.

ديسكن يرى أن وجه «الدولة» تغير جدا ويتوقع أن يستمر في التغير والواضح في ذلك أنه يتجه نحو اليمين مع مزيد من التطرف الديني وغياب المساواة في تحمل العبء والشعور بعدم القدرة على تغيير هذه الخطوات بما فيها الأزمة القيادية التي تجعل الناس يبدأون في فقدان الأمل.

ويعتقد أن كثيرا من الناس يصعب عليهم التأقلم وتأييد هذا الاتجاه المظلم للدولة ومن وجهة نظري ورؤيتي فإن هذا يمثل أحد أهم المخاطر على مستقبل الدولة، كما يشير إلى مسألة في غاية الخطورة، تتعلق بمستوى «قادة إسرائيل الجدد» وتناحرهم على الزعامة، فينتقد المتنافسين في الانتخابات الوشيكة من كتلة الوسط واليسار حيث يقول «إن الصورة الزعامية هي الأخطر, وزعماؤنا إجمالا وزعماء الأحزاب المتنافسة في الانتخابات الحالية ينظر إليهم في أعين الكثير أنهم لا يستحقون وفاسدون وانتهازيون ويهتمون فقط بأنفسهم وليس من الذين يضعون مصلحة الشعب والدولة فوق الجميع»!.

صورة إسرائيل اليوم، بعد أكثر من ستة عقود على نشوئها، لم تعد كما كانت في السنوات الماضية، ايام حكم من يسمونهم «الآباء المؤسسون» إنها مجرد قاعدة عسكرية، تتغذى على غيرها كالعلق، وبالإضافة لأزماتها الداخلية الطاحنة، ثمة أزمات قادمة لا تبدأ من بدء تغير النظرة الأمريكية والغربية لهذا المشروع الاستعماري المكلف، ولا تنتهي عند حدود مخرجات الربيع العربي، الذي أعاد تعريف الصراع العربي الصهيوني!

قد يستغرق بناء «دولة» سنوات طويلة، لكن سقوطها قد يتم سريعا، وربما بلمح البصر، وما تفكك وانهيار ثاني أعظم دولة في التاريخ المعاصر ببعيد!