الاقتصاد بوصلة الناخب والمجتمع
تسمع أنينا يبحث عن عدالة مفقودة في مركز اشمون ومدينة السادات بالمنوفية كبرى المحافظات التي وقفت في وجه الرئيس المصري غير مرة، وذات الأنين يتسلل إلى صناديق الاقتراع يمكنك سماعه في باقي الأرياف والمناطق التي لم تمر بها التنمية يوما.قضي الأمر في استفتاء الدستور المصري الجديد وأطاحت "نعم" بـ"لا" المعارضة التي تنظر إلى الريف والمهمشين من عل، ولا ترى في الفلاح المصري إلا ذاك المتعطش إلى كيس سكر أو رز وتعتقد أن المدينة – لمجرد انها مدينة – تملك الحل والعقد باعتبارها من وجهة المعارضة المصرية الناشئة تمسك بالتعليم، ولديها وجهات نظر سياسية واقتصادية، في حين أن الأرياف والفلاحين يغطون في نوم عميق.ما الذي يدفع الأرياف في المنوفية – محافظة السادات ومبارك - بشكل شبه كامل للتصويت بنعم على الدستور، وما الذي تغير في مدينة الرفض لمسار الثورة؟يبدو أن الأمر يحتاج إلى قراءة متأنية للتغيرات المرافقة لسلوك المنايفة الذين انقسموا بين النعم واللا ولم يتطرفوا في اتجاهات انقسامية كما توقعت المعارضة، فكون اثنين من حكام مصر كانوا منها لا يعطي صك براءة للاستمرار في مسار أعمى، فشوارع المدينة وبنيتها التحتية الرثة وحظها من التنمية وارتفاع منسوب الأمية فيها إلى36 % لنحو خمسة ملايين، كل هذه الأزمات المتراكمة تستدعي من الناخب أن يعيد التفكير في قناعاته بحثا عن برنامج اقتصادي وسياسي يساعده في الوقوف بصلابة من جديد للبحث عن شروط حياة أفضل.هذا جزء من تقلبات جديرة بالدراسة، يقابله نمطية في التصويت تحتاج أيضا إلى الدراسة ضمن نطاق عربي أوسع، فالناخب في البلاد العربية يصوت للأشخاص لا البرامج عموما وينفث في صندوق الاقتراع بعضا من غرائزه وعصبيته القبلية والجهوية وفي أحيان أخرى المصلحية والنفعية.ففي انتخابات مجلس الشعب الأخيرة صوت نحو 73 % من أبناء المنوفية لصالح أشخاص – جلهم من فلول النظام السابق – في حين جاء التصويت على الدستور بنحو ثلث من يحق لهم التصويت، وشتان ما بين دفع شخص إلى البرلمان بناء على علاقات شخصية أو نفعية أو مناطقية، وبين من يصوت للتأسيس لمستقبل جديد له ولأطفاله.سألت الكثيرين منهم في تلا والشهداء وشبين الكوم عن مشاركتهم فأكدوا أنهم يريدون للدولة أن تستقر، ويبحثون عن قواعد دستورية تؤمن لهم العدالة الاجتماعية وتحميهم من تغول السوق وتصاعد الأسعار، وقال أحدهم بسخرية "اثنان من الرؤساء لم يتمكنوا من تعبيد شوارع المدينة، فهل يفعلها مرسي؟" وهنا بيت القصيد؛ إذ إن من سبق إلى سدة الحكم من دون انتخاب وبغياب البرامج الاقتصادية والتنموية سيكون في ذاكرة الناخب إرثا من ماض بائس، وإن من انتخب ولديه برنامج معلن يحق له أن يمضي قدما، ويكون التقييم لاحقا على مدى قدرته في تطبيق البرنامج وتحسين شروط حياة المواطنين ام لا.من المعيب ان يتشدق معارض بأن 40 % من المصريين من الأميين ولذلك فالتصويت ليس نقيا من وجهة نظره، ومن المؤسف أن لا تلتفت النخبة المترفة في أي بقعة عربية لتحولات المجتمعات ورغبتها في الانعتاق من حال بشعة استمرت لعقود.في ظني أن التجربة المصرية جديرة بالتحليل في سياق تصويت الناخبين، لا سيما في الأرياف رغم تحريض "الإعلام" المستقطب في أم الدنيا وتضليله للرأي العام، والدرس ليس مجانيا، فمن المؤذي أن نتحدث ليل نهار عن فشل اقتصادي وحالة معيشية صعبة واحتجاجات مضى عليها أكثر من عامين، ويبيع الناخب صوته في آخر المطاف كما يفعل البعض حاليا، وكان قد فعل الجريمة ذاتها في انتخابات سابقة جرى تزويرها، بل يتطور الأمر لدينا إلى "تسعيرة" بين عدد من أسماء المرشحين الذين يتنقلون إلى القوائم الوطنية التي تدفع أكثر!!hassan.shobaki@alghad.jo