لكشف ومحاسبة الفاسدين؛ وجب علينا أن نذبح بقرة

من المعروف أن سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام قد مكث في قومه يدعوهم إلى عبادة الله الواحد سنين طويلة، ويبدو أن نفوسهم كانت ملتوية بشكل لا تخطئه عين الملاحظة، ومن المعروف أيضاً أن تلك الحادثة التي أدت إلى ذبح البقرة، لم تقتضِ كل المفاوضات التي كانت تجول في أذهان بني إسرائيل حينئذٍ وتعنّتهم مع موسى عليه السلام، فكان من الأمثل أن يذبحوا أول بقرة يصادفونها في طريقهم؛ لأن الهدف الرئيس هو كشف الرجل الذي قام بقتل الثري وصاحب الجاه، عن طريق نبي يوحى إليه بوحي من السماء، ويستند على إرساء قيم العقلانية في تطبيق الأحكام عندما يستدعي الأمر الخارج عن المألوف.

إن أمر سيدنا موسى هو أمر معجزة لا علاقة لها بالمألوف في الحياة، وإن المعتاد بين الناس ليس له علاقة في ذبح بقرة لمعرفة القاتل في الجريمة الغامضة التي وقعت واشتغل بها بنو إسرائيل في ذلك الزمان، ولكن المعجزات الخارقة في ذلك العصر كانت هي القانون السائد في حياتهم، فلم تكن هناك وثائق أو مستندات تشير إلى الفاسد الذي قتل نفساً بغير حق، لذلك استوجب الأمر اللجوء إلى معجزة خارقة لمعرفة الجاني ومحاسبته.

والغريب في الموضوع، أن بني إسرائيل كانوا يتعنتون في المناقشات الواقعة مع نبيهم المرسل، فقد علموا أنه الحق من ربهم، ولكنهم بدأوا يحاورونه حول قضية ثانوية تتعلق بلون البقرة، متناسين مقتضيات الأدب والوقار في حق الله ونبيه، فضلاً عن إشغاله في أمر لا يستوجب المراوغة، ومع كل ذلك فقد سأل موسى ربه من جديد؛ ليدلهم على لونها، ولكن بعد أن تشابه البقر عليهم، عادوا من جديد ليسألوه أن يسأل ربه ليبين ما هي؛ حتى حدثهم أنها بقرة صفراء لا شية فيها، تثير الأرض ولا تسقي الحرث، فشددوا على أنفسهم؛ فشدد الله عليهم، حتى عظم ثمن البقرة ليصل إلى إن وضعوا ملء جلدها ذهباً، وبذلك فإنهم قد وصولوا إلى ما يرنون إليه ولكنهم قد خسروا ما خسروه من أموال طائلة لم يكن إنفاقها في مكانه الصحيح.

إن السبب في أن التاريخ يعيد نفسه أحيانا؛ هو أن معظم الناس لا يصغون إليه في أول مرة، لذلك تجد أن الحكومات الأردنية تتعاقب وتتوالى، لتفتح ملفات الفساد العارمة وتجري التحقيقات اللازمة؛ لتصل إلى إغلاق تلك الملفات بعد معرفة الجناة، لتعود وتخط الشعارات من جديد وتدعو إلى الإصلاح المكتوب في صفحات المواقع الإلكترونية أو الصحف المحلية أو من خلال القنوات الفضائية التابعة للحكومة نفسها، حتى يعلم المتلقي مجريات ما يحدث من باب العلم بالشيء ليس إلا ، وكأن المواطن الأردني قد صفق لكل يدور حوله من أحداث ولم يبقَ إلا أن يصفق لمعرفة الفاسدين، لا لإيجاد وإجراء الحلول المناسبة لمحاسبتهم وتخطي الأزمات التي ترحل من زمن إلى زمن آخر، وكأنهم يصفون المجتمع الأردني بالجهل وعدم المعرفة.

إن بني إسرائيل، هم بنو إسرائيل، وقد أمرنا الرسول الكريم أن نخالفهم في العقائد والقرابين، ولكن الآيديولوجية الحديثة تفرض علينا أن ننهج منهجهم من غير أن ندري، بطريقة تختلف في التفصيلات، فهم قد وصلوا إلى ما لم نستطع الوصول إليه، وعاقبوا الفاسدين منذ زمن بعيد، ونحن لم نزل نفتش عن بقرة نذبحها لإيقاع الحكم واستقرار التنفيذ.

أريد أن أقول، بعد أن صار الكلام وليس الصمت من ذهب: لقد صمنا شهوراً وأفطرنا على بصلٍ والحقُ عند أولي الأمر مهزوم، فعدنا إلى الخيبة الكبرى فعاد فقرنا هو المصير المحتوم، فلن نشتمَّ رائحة الصلاح طالما أن أنف حكوماتنا مزكوم، ولكن تشاؤمنا لا يلغي تفاؤلنا؛ فالعدل طموح لمن في الأرض مظلوم.

أتمنى أن نجد حلاً مناسباً لكشف الفاسدين ومحاسبتهم قبل نهاية هذا القرن
وليد معابرة / جامعة آل البيت