سوريا ... اخر قلاع العروبة

سوريا ... اخر قلاع العروبة

لم يشهد التاريخ العربي مؤامرة ، اكبر واشرس واقذر ، من المؤامرة التي تتعرض لها سوريا ، منذ ما يقارب العامين ، ولم يشهد التاريخ العربي ، وقاحة في العمالة والخيانة وتبريرهما ، كما هو الحال مع اعداء سوريا ، ولم يشهد التاريخ العربي ، انغماسا عربيا في التامر على قطر عربي ، كما هو حال سوريا مع عربان العمالة ، ولم يشهد التاريخ العربي ، هذا الحشد والتخطيط والانفاق المالي بسخاء ، والحشد الاعلامي الضخم والمضلل ، كما يفعل اعداء سوريا اليوم ، ولم يشهد التاريخ العربي دموية وارهابا واجراما ، كما هو الحال مع سوريا وشعبها الابي في مواجهة مرتزقة العصابات المسلحة ، ولم يشهد التاريخ العربي ، ان قام اعداء الحرية والديمقراطية ، بتقمص دور رسل الحرية والديمقراطية بكل الوقاحة التي نرى ، ولم يشهد التاريخ العربي ، ان توسل عربي لاجنبي ، ان يحتل بلاده ، ويدمر اوطانه ، وبقتل شعبه ، كما هو الحال مع عملاء الناتو في سوريا ومن يدعمهم ، واخيرا ، لم يشهد التاريخ العربي ، صمودا ومقاومة وتوحدا ، كما هو حال شعبنا العربي السوري اليوم ، في مواجهة هذه الحرب الكونية القذرة .
لقد اجتمع الثالوث المنسي ، ثالوث الامبريالية والصهيونية والرجعية العربية ضد سوريا ، وسوريا فقط ، هذا الثالوت ، الذي حولته سوريا بعد الحركة التصحيحية الى ثنائي ، من خلال تبني شعار التضامن العربي ، والاخوة العربية ، فمدت يدها الى الاخوة العرب ، الذين كانوا يوصفون بالرجعية ، من اجل اعادة تأهيلهم في صفوف العروبة ، انقاذا لهم من براثن اعداء الامة ، الذين يحتقرون حتى عملائهم ، ولا يتورعون عن استبدالهم بين الفينة والاخرى ، كما تفعل الافعى في تجديد ثوبها ، تضامن عربي سعت له سوريا ، بني على الحد الادنى والاهم ، عزة الامة العربية وكرامتها وحقوقها ووجودها ، بغض النظر عن انظمتها السياسية والاقتصادية ، وتبييض لصفحة من اسودت وجوههم ، فعلت سوريا ذلك ، من منطلق الحرص على مصلحة الامة ، وبنظرة الابوة ، التي تعفو عن الابن الضال ، لكن الافعى غادرة ، تلدغ من يحتضنها .
ما يجري في سوريا الان ، يخجل التاريخ ان يسجله في صفحاته ، عربي يتامر على عربي ، ليس تآمرا دفاعيا ، بل تآمرا عدوانيا ، قد نبرر لعربي ان يتامر على من يعاديه او يتربص به ، لكن ان يتامر على من يقف معه ، ويمد يده له ، فهذا منتهى الخسة والنذالة ، فماذا فعلت سوريا ، حتى تواجه كل هذا الحشد العدواني ، العربي والاجنبي ، وبمشاركة بعض ابنائها ، لقد وقفت سوريا مع الحل السلمي للقضية الفلسطينية ، من خلال الالتزام بالقرارات الدولية ، ارادت سلاما حقيقيا يقوم على العدل ، ويشتمل على انسحاب اسرائيل من الاراضي العربية التي احتلتها في الضفة الغربية والجولان وسيناء وجنوب لبنان ، وارادت استعادة الحقوق المشروعة للشعب العربي الفلسطيني ، في العودة وبناء الدولة المستقلة ، كما كل شعوب الارض ، لم تقبل بالحلول الاستسلامية التي تشرعن للعدو مكتسبات عدوانه ، ولاجل كل ذلك ، وقفت مع كل قوى المقاومة ، في فلسطين ولبنان والعراق ، واستعدت عسكريا لساعة التحرير ، عندما يحين اوانها ، من اجل استعادة الارض والحقوق ، والتصدي للغزو المتحالف مع العدو الصهيوني ، الساعي لبسط هيمنته على الامة العربية وتمزيقها ونهب ثرواته ، وقتل طموحات ابنائها في البناء والازدهار والحياة الحرة الكريمة ، لم تجر العرب الى الى حروب انتحارية خاسرة ، بل اتسمت سياستها في هذا المجال بالتعقل ، لم تستجب لكثير من استفزازات العدو ، ومحاولاته لجرها الى معارك خاسرة ، وقد كان هذا التعقل ، سببا في اتهامات ظالمة لقيادتها ، بانها لم تطلق طلقة واحدة في الجولان ، منذ اتفاق فصل القوات في صيف عام 1974 ، نعم ، لم تطلق طلقة واحدة في الجولان ، لانها لن تنقاد الى معركة لا تريدها ، ولا تسعى لجر العرب الى هكذا معركة ، على مبدأ "وين راحو النشاما" ، ولانها كانت تدرك عظم الخلل في التوازن الاستراتيجي مع العدو ، ، ولانها تدرك ، وهذا ما ثبت هذه الايام ، ان العرب في ظل وضعهم المأساوي الحالي ، لن يقفوا معها الموقف الواجب عليهم ، ولانها آمنت ، ان بقاء الاحتلال 400 عام ، افضل من التفريط بالحقوق ، وبناء سلام المهزومين مع العدو ، ولنا في التاريخ شواهد ، على احتلالات وامبراطوريات ، طال عمرها ، لكنها في النهاية زالت ، وما الاحتلال الصهيوني الا الى زوال ، ، الم ينتهي الاستعمار الاوروبي بعد عشرات السنين ، الم ينتهي الاحتلال التركي بعد 400 سنة ، هذه هي القناعة التي سارت عليها سوريا في مهادنة العدو ، لا حرب انفعالية خاسرة ، ولا سلام معيب يتنازل عن الحقوق ، والزمن لصالحنا ، ان احسنت الامة استغلاله ، نريد ان نسال من يعيب على سوريا مهادنة العدو في الجولان ، هل لو اعلنت سوريا الحرب سيقفون معها ، كما يقفون اليوم مع العصابات المسلحة ، التي تقتل وتدمر داخل سوريا ، هل سيدفعون مئات المليارات ، كما دفعوا لهذه العصابات ، لا بل هل يدفعون عشر هذه المبالغ ، هل يمكن ان يرسلوا "الجهاديين" الى الجولان وفلسطين بعشرات الالوف ، كما يفعلون في سوريا اليوم ، هل يجرأون على ذلك ، حتى لو امتلكوا الارادة ، التي لن يمتلكوها ، لانها معاكسة للدور المرسوم لهم ، هل سيجهدون في الامم المتحدة ، لانتزاع قرارات وفق البند السابع ، لانهاء الاحتلال الصهيوني في الجولان وفلسطين ، وهم الذين يحاولون احياء مبادرات السلم مع العدو وهي رميم ، بينما في سوريا اصدروا مثل هذه القرارات ، في الامم المتحدة وجامعتهم العربانية بزمن قياسي ، اين هم من فلسطين الجريحة منذ 64 عاما ، اين كانت اموالهم ، واين كان مجاهديهم واعلامهم ومعاركهم السياسية ؟
لقد بنت سوريا اقتصادا قويا ، يحقق للشعب العربي السوري ، اكتفاءا ذاتيا الى حد كبير ، رفضت الانصياع لادوات الهيمنة على سيادتها ومقدراتها ، فلم تتعامل مع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ، فكانت الدولة العربية الوحيدة ، التي لم تستدن فلسا واحدا ، حققت الاكتفاء الذاتي غذائيا وصناعيا ، لا بل صدرت الغذاء للاشقاء العرب ، كما صدرت الصناعات المختلفة .
كانت وما زالت جامعات سوريا ، تحتضن عشرات الالوف من الطلبة العرب ، الذين لم تتوفر لهم فرص التعليم الجامعي في بلادهم ، فوفرت لهم تعليما بتكاليف زهيدة ، كما هو حال ابناء سوريا ، فتخرج من جامعاتها اجيال واجيال من المسؤولين العرب ، فتحت ابواب سوريا لكل العرب ، سياحة واقامة وتملكا ، دون تاشيرة دخول ، ودون تحديد لاقامة ،
لقد بنت سوريا جيشا قويا ، وصناعات عسكرية ، زعزعت كيان العدو ، ولعل صواريخ غزة التي انهالت على تل ابيب اخيرا ، هي مؤشر بسيط لقوة سوريا ، التي تهيئها لمعركة المصير ، والتي امدت بها المقاومين في غزة ولبنان ، تصوروا ان تنطلق صواريخ غزة السورية الصنع والامداد ، مع نفس الصواريخ من المقاومة في لبنان ، ماذا سيكون مصير اسرائيل ، الهذا السبب تهاجم العصابات المسلحة مستودعات الاسلحة السورية ، والجيش العربي السوري في الجولان ، وتنهكه في معاركها في شتى ارجاء سوريا ، اليس الهدف تمزيق الجيش وانهاء دوره كما فعلت امريكا في العراق ، اليس في ذلك اكبر خدمة للاعداء ، واكبر دليل على عمالتهم ؟
لقد شوه العملاء مفهوم الجهاد ، الذي كنا نعتبره مخزونا استراتيجيا معنويا لصراعنا المستقبلي مع الاعداء ، سوف يساهم في خلخلخة التوازن الاستراتيجي لصالحنا ، حين يتحول هذا المخزون المعنوي ، الى فعل في ارض المعركة ، لكننا لم نرى من هذا الجهاد ، الا وجهه الامريكي ، اصبح جهادا من اجل مصالح امريكا ، وضد العروبة ، فكان جهاد افغانستان الامريكي ، وكان جهادهم في العراق ، قتلا على الهوية الطائفية ، وكان "الجهاد" في سوريا قتلا وتدميرا وتمزيقا للشعب العربي السوري ، لقد اصبح جهادا من اجل انجاز الشرق الاوسط الامريكي الصهيوني الجديد ، المخطط له ان ينجز عام 2025 ، جهاد الفوضى الخلاقة التي بشرت بها كونداليزا رايس ، انه جهاد تمزيق الامة الى كانتونات طائفية ضعيفة ، متناحرة مع بعضها ، تبحث كل منها عمن يحميها ، لتسود اسرائيل ، كدولة حقيقية ديمقراطية قوية يهودية صافية ، فهل هناك اكبر من هذا خدمة نقدمها للاعداء باسم الاسلام ؟
لمن يتهم سوريا بالطائفية ، من خلال علاقتها مع ايران وحزب الله ، كيف لا نمد ايدينا لمن يصادقنا ، لقد مدت ايران يدها لسوريا منذ عام 1979 ، ووقفت مع العرب وقضيتهم العادلة في فلسطين ، كيف نحارب من يقف معنا ، ماذا جنت ايران من هذه الصداقة ، هل تشيع الشعب السوري كما كانوا يرددون ، لماذا يكون دعم حزب الله عملا طائفيا ، ودعم المقاومة العراقية بعد الاحتلال الامريكي ينفي ذلك ، فالمقاومة العراقية كانت سنية ، ضد سلطة وصفت بالشيعية ، وانا اسف لترديد مفرداتهم الطائفية ، وكيف تكون سوريا طائفية ، وقد دعمت حماس "عندما كانت حركة مقاومة، قبل ان تعود لحضن الاخوان المسلمين ، عشاق السلطة" ، ودعمت والجهاد الاسلامي والفصائل الفلسطينية المقاومة ، ان من لا يستحي يقول ما يشاء .
ان سوريا اليوم ، تخوض معركة الامة العربية ، ضد التمزيق ، وضد ما هو اسوأ بكثير من سايكس بيكو ، انها معركة الحفاظ على الهوية القومية العربية ، ضد مشروع الشرق الاوسط الامريكي ، انها معركة القضاء على المد الطائفي البغيض ، الذي يراد له ان يكون اداة تدمير الامة ، ان سوريا اليوم ، تمثل اخر القلاع العربية ، التي ما زالت تناضل من اجل كرامة العرب ، يدفع ابنائها عن العرب ضريبة الدم ، ضريبة العزة ، مع سوريا يقف اليوم كل شرفاء العرب ، وكل احرار العالم ، لقد انكشفت مخططات الاعداء وادواتهم ، ومع الاسف كان الاخوان المسلمون احد اهم هذه الادوات ، لقد تنازلوا عن كل ادبياتهم التي كانوا يلقنونها لنا ، من اجل اعتلاء كراسي الحكم في شمال افريقيا وشمال اسيا العربية ، لقد كشفهم شعبنا الاردني ، كما كشفتهم قيادتنا الهاشمية ، ولعل الكلمات التي قالها جلالة الملك ، خلال لقائه عددا من القوى القومية واليسارية ، عن استهدافه شخصيا من قبل الاخوان ، لهي خير تعبير عن معاناة الاردن ، شعبا وقيادة من خطر التامر ، الذي كان الاخوان في الاردن وخارج الاردن ، احد ابرز ادواته ، ان قطع الغاز المصري عن الاردن في عهد الاخوان ، اضافة الى قطع المعونات العربية ، ساهم في تفاقم الوضع الاقتصادي في الاردن ، املا من المتامرين ، بتخلي الاردن عن ثوابته القومية ، فجاءت كلمات جلالة الملك ، لتدل على وعينا لابعاد المؤامرة ، وادراكنا لمراميها ، وتصميمنا على التصدي لها ، وعدم الخضوع لاملاءات العدو وحلفائه ، لجر الاردن الى موقع الصدام مع الاشقاء في سوريا ، فلن يكون الاردن مطية لهم ، تجوع الحرة ولا تاكل ثدييها ، وستنتصر سوريا على المؤامرة ، وينتصر الاردن .

مالك نصراوين
m_nasrawin@yahoo.com
19/12/2012