إقلاع أم هبوط؟!
جملة من القضايا المهمة التي تستدعي التوقف عندها ملياً في حديث رئيس الجامعة الأردنية، د.اخليف الطراونة، عن الجامعة وواقعها، في لقاء مع موقع عمون الالكتروني، بالتزامن مع احتفال الجامعة الأردنية بمرور 50 عاماً على تأسيسها.القضية الأولى في الأهمية في حديث الرئيس، تتمثّل بالنسبة المتضخّمة الخطرة لـ"كوتا" المكرمات بين الطلبة المقبولين في الجامعة، إذ تصل –وفقاً للطراونة- إلى 70 %، مقابل 30 % فقط عن طريق القبول الموحّد. وهذا باختصار ليس خللا كبيرا فقط في أسس القبول، بل انتهاك صارخ وسافر في وضح النهار لقيمة العدالة ولمبدأ سيادة القانون، تمارسه مؤسسات الدولة تجاه المؤسسات الأكاديمية التي يفترض أنّ تكون هي من يزوّد الدولة بالأفكار والمعرفة، وأن تكون هي قلاع التنوير والتثقيف ونشر أفكار القانون والمعرفة، لا أن تخضع لمعايير غير علمية، متماهية مع المصالح السياسية الآنية!هذه النسبة (70 %) صادمة. ولدينا توجيهات وتوصيات هائلة من لجان عدة، في مقدمتها لجنة استراتيجية الحد من العنف الجامعي التي شكّلتها وزارة التعليم العالي نفسها، تؤكّد على ضرورة التخلص من مبدأ "الكوتا"، واستبداله بمبالغ مالية ودعم يقدّم لأبناء هذه المكرمات، بدلاً من مقاعد مخصصّة على حساب قيم العدالة والمساواة، وبما يترك "ندوباً" كبيرة في مشاعر المواطنة لدى الشرائح الاجتماعية المختلفة.ما أعرفه هو أنّ وزير التعليم العالي د. وجيه عويس، ومعه رئيس الجامعة الأردنية وعدد من الأكاديميين، متحمسون لإعادة النظر في هذه الكوتا المتضخمة. وهي مواقف عزّزتها توجهات صادرة مؤخراً عن الديوان الملكي تؤكّد على إلغاء بعض هذه الكوتات، لكن بانتظار أنْ نرى قريباً جداً ترجمة حقيقية نوعية لهذه التوجهات في إصلاح الاختلال الراهن الكبير في نسب القبول في الجامعات.بالضرورة، سيتحدث البعض عن الوجه الآخر للقضية، ويتمثّل في الفئات المستفيدة من هذه المكرمات، وهي فئات يجب أن نميّز بينها. فأغلبها لاعتبارات مرتبطة بعمل الأسرة، وهذه يمكن تعويضها من خلال دعم مالي يقدّم للمقبولين باستحقاق من هؤلاء الطلبة؛ والثانية وهي فئة الأقل حظّاً نتيجة الفجوة في المخرجات التعليمية ما بين أبناء المحافظات (بخاصة البعيدة)، وأبناء التعليم الخاص والمدارس القريبة من المدن الكبرى، وهي كوتا يمكن تقليصها بالتدريج، بالتزامن والتوازي مع إصلاح واقع التعليم الأساسي والثانوي في تلك المدارس، بدلاً من ترحيل الأزمة إلى الجامعات، ومن ثم إلى سوق العمل.القضية الثانية في حديث رئيس الجامعة الأردنية، تتمثّل في موضوع عجز ميزانية الجامعة، والذي وصل إلى 27 مليون دينار أردني (وهو ما أحاله الرئيس إلى افتتاح فرع العقبة، وما كبّده من خسائر فادحة للجامعة). وأوضح أنّ الجامعة لا تتلقى أي دعم حكومي. وهي بالفعل حالة غريبة بالنسبة لإحدى أعرق الجامعات الأردنية، وبين أكثرها أهمية، فلا تحظى بأي دعم مالي حكومي، بينما يتم صرف مئات الملايين من الدنانير على الطرقات ودعم السلع الرئيسة، وغيرها من مجالات تستنزف الموازنة، فيما المؤسسات التي يمكن أن تساعد الدولة في إيجاد استراتيجيات وبدائل لأزماتها ومشاكلها والتخلص من هذه المعضلات، لا تُصرف عليها أيّ أموال!في الملتقى الاقتصادي الوطني الأول، الذي عقده مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية أول من أمس، قدّم د. إبراهيم سيف مقارنة رائعة بين البرازيل الصاعدة اقتصادياً، ومصر المتراجعة بقوة تنموياً واقتصادياً، مبيّنا نسب الإنفاق على التعليم والصحة التي ترتفع في حالة البرازيل بخط بياني تصاعدي ملحوظ، مقارنة بصرف أغلب بنود الموازنة في مصر على الدعم المباشر للسلع، وهي مقارنة مهمة بين مؤشرات الإقلاع ومؤشرات الهبوط!m.aburumman@alghad.jo