الحكومة ليست أقوى من سيخ الشاورما


رغم تعدد وتنوع الأجهزة الرقابية والصحية والشرطية والقضائية لم تستطيع جميعها حماية سلامة وحياة المواطنين أكثر من مرة ومنع عودة تسممات شاورما الدجاج الجماعية في أكثر من محافظة والحال اليوم مرشح لمصيبة مفاجئة ما دامت الرقابة ضعيفة والإهمال مستشري تذكرون ما حدث قبل سنوات خلت في البقعة وهو تكرار مستنسخ لما جرى من قبل في مادبا والزرقاء والرصيفة واربد وما سوف يحدث لاحقا ربما في معان والمفرق والكرك والسلط وغيرها لا قدر الله

مما يفتح الباب على مصراعيه حول أسباب الموت المجاني والمعاناة المرضية لآلاف المواطنين كل بضع شهور أو سنوات طالما أن عصابات ومافيا وهوامير المطاعم يضربون عرض الحائط ويتحدون كل شروط السلامة العامة والعقوبات القانونية والإدارية مقابل تحقيق مكاسب مادية سريعة على حساب صحة وحياة المواطنين الأبرياء في ظل غياب عمل مؤسسي لحملات التفتيش المتواصلة والرقابة الصحية الدورية والمتابعة التثقيفية المطلوبة

فمن يبيع الطعام على استعجال وقبل نضوجه ودون إعداده للاستهلاك البشري بشكل سليم لا يختلف بتاتا عمن يضع المتفجرات في الفنادق والشوارع والساحات أو يرتدي حزاما ناسفا فيقتل الناس أو يصيبهم بلا وازع من دين أو رادع من ضمير فيجعل البلد في حالة خوف وقلق واستنفار شامل لجميع الكوادر الطبية والتمريضية لتأمين العلاج السريع والمراقبة الاحتياطية للمصابين على حساب صحة المرضى الآخرين في مختلف المحافظات

والأسئلة المطروحة اليوم أين هي وزارة الصحة ومفتشيها وأين هي وزارة الصناعة والتجارة من محاولات بعض التجار استيراد وإدخال مواد تموينية تجتاحها الأمراض والأوبئة بعد استخراج شهادات منشأ مخالفة للواقع أو استيراد المواد الغذائية المعدلة وراثيا وما لها من مخاطر صحية عالمية وأين هي لجان السلامة العامة في المحافظات من المتابعة والتنفيذ وأين هي البلديات ومراقبيها وأين هي مديرية تطبيق المواصفات وأين هي المؤسسة العامة للغذاء والدواء من شروط التراخيص الفنية للمهن إن وجدوا حقا فأين هم جميعا من تلك الأخطار المتوالية على حياة المواطنين وأين هم من انعدام شروط النظافة والصحة وسوء التخزين والتبريد وتطرية اللحوم المجمدة في بعض المطاعم وأين هم كذلك من طرق صنع الشاورما من لحوم دجاج كبير بياض ومستهلك ورخيص نهايته في حال عدم بيعه القتل والحرق للتخلص منه كونه لا يصلح للأكل أو الطبخ لحمه مشدود وفاقد لقيمته وجودته الغذائية

يعالج بالأحماض والنكهات والبهارات ليصبح وجبة شاورما سريعة وساخنة تدر ربحا وفيرا وتجد إقبالا كبيرا في المناطق الشعبية وفي المقابل هل تكفي العيادة والمواساة من قبل المسئولين للمصابين والدعاء لهم بالشفاء في كل كارثة تقع وهل يكفي طبيا ومخبريا أن نبقى نحمل المسؤولية لتكرار حالات التسمم لمادة السالمونيلا والمايونيز والبيض النيئ وهل يكفي تحرير المخالفات وإغلاق المطاعم المخالفة

كل هذه الإجراءات تشكل ردة فعل مستعجلة ومعالجة آنية وغير مجدية تلامس القشرة ولا تعالج جوهر المشكلة وهي أشبه بحقن مخدرة لتغيب وعي الناس وامتصاص نقمتهم وغضبهم وما جدوى لجان التحقيق الحكومية والجريمة تتكرر في كل مرة بثوب جديد وفي منطقة أخرى ألم يكن أجدى بالحكومات التعامل مع هذه المسألة الخطيرة بالمستوى المطلوب من الجدية وإعادة تأهيل ورفع كفاءة مراقبي ومفتشي الصحة العامة وتفعيل الرقابة الوقائية على الأطعمة والأغذية وسن تشريعات وعقوبات رادعة بعد عدة حوادث مأساوية

كثير من الحديث يتداوله الناس في السر والعلن أن المطاعم التي حدثت فيها عمليات تسمم سابقا ومرات متعددة أعيد فتحها بالمحسوبية والوساطة على يد مسؤولين كبار في الدرجة والموقع رغم عدم الوفاء بالشروط الفنية والصحية وبكل السخرية والتهاون والتحدي فمن ( أمن العقاب أساء الأدب )

نحن هنا لا نكتب من أجل الإساءة للوطن أو حتى المسؤول أي كان ولا نمارس جلدا للذات ولا نقدا انتقاميا بل ننتفض من أعماقنا من أجل وطننا وسمعته الطيبة وحياة أبنائنا الغالية ووفاء منا لقائدنا جلالة أبي الحسين الذي جعل من سلامة رعيته هدفا أسمى لحياته وحكمه وتوجيهاته

في الأعوام القليلة السابقة كانت قضية مياه منشية بني حسن بالمفرق سببا في إقالة وزيري الصحة والمياه واليوم أليس استمرار الاستهتار والإهمال في الرقابة الصحية يستدعي من الناحية الأدبية رحيل أي حكومة حالية أو قادمة إذا كانت غير قادرة على حماية حياة المواطنين بمسؤولية وجدارة والى متى ستبقى السلطة التنفيذية بأجهزتها المختلفة تخسر المعركة إمام المتنفذين على مذبح العجز واللامبالاة والمحسوبية والمطلوب وبشكل عاجل تفعيل الرقابة الصحية على سيخ الشاورما أكثر وأكثر وأكثر
mahdmublat@gmail.com