لا تترك يدك خلف ظهركـ


إن تركت أداة حمايتك خلف حائطك الجسدي من سيحميك؟ و بماذا ستحمي نفسك و آلتك الوظيفية؟ فالعالم ليس مكانــا آمنا دائما، و الحياة بها أكثر من الكثير صعابا و أعداء، فليس تشاؤما مني أن أقول هكذا كلام، و ليس كذبا مني أن أروي بعض عورات البشر، و لكن على مسامع الإنسان.

السوء لا يعبّر عن الفرد السيئ، و إنما هو ترجمة لخلفية كامنة في نواة التكوين البشري، خاصة عندما يوضع الفرد في مواقف المواجهة التي لا بد من عدم تأجيلها، و إنما في تلك اللحظات، علينا أن نتذكر أنّ الطبيعة الإنسانية هي حيوانية قبل أن تكون من عوارض العقل أو جوهره، فهي ليست صافية ملائكية كما يدعي البعض، فالإنسان هو جمع بين ملاك و حيوان، لكننـــا حلمنا بالملائكة و نسينا الحيوان، أو هكذا يبدوا لي.

فغطرسة البشر هي التي جعلت منهم آلهة أمام الكائنات الأخرى، بينما هم تمردوا على الآلهة، فهم يحبون أن يحكموا و يتسلطوا و يمرحوا، و لا يحبون أن يحكموهم أو يتسلطوا عليهم أو يمرحوا على حسابهم، و من هذه النافذة نتمكن من تفسير النأي بالنفس حين تكون ضعيفة، و إقحامها لحظة تكون في كامل قواها و بأسها العقلي الظالم.

لقد سئمت من أن أرى هذا العالم يصوَّر لي على أنه الجنّة، و أنّ عملي هو الذي سيدخلني جنّة أخرى بعد مماتي، هذا زيف في حقي، لأنّ ما هو حولي من الكآبة يقتات، و من الدماء يشرب، و النّار هي مآله إن هو بقي جاهلا بذاته و العالم، كما يدور فعلا و ليس قولا، فلم أعد أثق في أحد، و لم أعد أثق في نفسي كما لم أعد أضع ثقتي في التاريخ و العيش و الأمور التي تبدوا لي مصنوعة من العقل دون غيره، لقد اكتفيت، و أقول لكم كفى!

فالإنسان لم يخلق ليكون عبدا، و لا ليكون سيّدا، و إنما خلق ليكون كما هو يسعى و يريد، فلما كل هذا العبث بحياة الفرد البشريّ؟

هذا المنطق الذي ولد من أجل تنظيم آلات الحياة لقد أفسدها، و لم ترتقي الأمم الراقية حاليا إلاّ بالتخلص منه بصناعة منطقيات أخرى متعددة بتعدد ألوان الجنس البشريّ، و إن ألقينا نظرة دقيقة على وجه البشرية، فإننا سنجد أنّ الواحد في الاتجاه، أو الانتماء، أو التفكير و غيرها من الحسم الفكــــري هو أهم عراقيل النهضة الفردية، و هذه الأخيرة هي أهم أسباب عدم تجسيد الإقلاع الحضاري، و لهذا مساهمته في مظاهر الحيوانية التي تشهدها المنطقة العربية في الألفية الثالثة بأشكال عنيفة وعدوانية جدا، لم تسبقها إليها أمّة من الأمم الأخرى.

"الآخرون ليسوا أعداء، فهم أحباء لنا بالغريزة الإنسانية السامية، و لكنهم أشقياء إن هم لم يحسنوا إلينا، أو أساؤوا التصرف معنا"، يا لها من عبارة تدخل إلى أعماق الروح لتخدرها، و تجعل من الإنسان خروفا في حفلة شواء كبيرة.


" الخير في الناس مصنوعٌ إذا جُبروا
و الشرُّ في الناس لا يفنى و إِن قبروا
و أكثر الناس آلاتٌ تحركها
أصابع الدهر يوماً ثم تنكسرُ
فلا تقولنَّ هذا عالم علمٌ
و لا تقولنَّ ذاك السيد الوَقُرُ
فأفضل الناس قطعانٌ يسير بها
صوت الرعاة و من لم يمشِ يندثر…."
جبران خليل جبران

فأفضل الرجـــال كذاب، و أجمل النساء منافقة، و أحسن العلماء خبيث، و أقدر الفقهاء عميل، و أسمى الحاكمين قصّاب، و أعفّ الإناث زانية …. ووووووووووووو

كلهم يخطئون، و كلنا نخطئ، فلما نحاسب بعضنا البعض عن أخطاء ظهرت للشهود، و لا نحاسب أنفسنا على جرائم أخفيناها بإحكام بين الدموع و الخدود؟

الإنسان لطيف، و هذه الصفة تسكن فؤاده بجوار العدوان، كلنا نحب اللطف، و ننبذ الاعتداء، لكن هذا ليس مبررا للخوض في تضاد الصفات، و لكنه سبب للإقرار بوجود النقص في الإنسان، فالحرق و الظلم و المعاناة هي أجزاء من الحياة، و لكن علينا ألا نهمش الأجزاء الباقيات، حتى يستقيم العيش، و نرتاح بعد الممات.

"…. ثم تنادي الأرض
قائلة للأرض أنا رحم وأنا القبر وسأبقى رحما
وقبرا حتى تضمحل الكواكب وتتحول الشمس
إلى رماد…."
جبران خليل جبران

فأنــــا كأيّ إنسان، عليّ أخطائي، و لي فضائلي و حسناتي، و على النفس البشرية ما لي، و لها ما عليّ، و على هذا الأساس فأنـــا لا أملك الحق في أن أحاسب الناس، و لا محاسبة نفسي، كما أنّ الآخرين لا يملكون الحق في محاسبتي أنــــا، فهذه الشرعية الغير مبرهن عليها في إقامة المحاكم الاجتماعية و القانونية منها، هي أهم سبب لظهور الهمجية بشكل يفوق الحدود، و الاتجاه الفكري الذي يتبنى الإيمان الديني هو أخطر عوائق التعايش السلمي، بينما التعصب لأيّ إيديولوجية و إن على الورق و حلبات الفكر، فهي من ضروريات الأفراد، و لكنها من سهام الفرقة و الاقتتال، هكذا فهم الناس عقليات الأقليات فاضطهدوهم، و هكذا عمل البشر على سرقة المجد من أحجار الزمن، فحكموا على الحياة بالموت، و حكموا على الموت بالحيــــاة.
السيّد: مــــزوار محمد سعيد