عود الثقاب

موضوع الكونفدرالية أو الفدرالية وسؤال العلاقة بين الأردنيين والفلسطينيين لم يختف في أيّ وقت مضى عن المشهد السياسي، بالرغم من نفي كلا القيادتين لإمكانية الحديث عنه حالياً، بصورة رسمية، قبل إقامة دولة فلسطينية كاملة السيادة على حدود الـ67، وهو بالطبع ما يبدو اليوم بعيد المنال، مع هيمنة اليمين الإسرائيلي على المشهد السياسي، التي من المتوقع أن تتكرّس بصورة واضحة مع الانتخابات التشريعية هناك في الشهر القادم.ما يُطرح عن الكونفدرالية إلى الآن يأخذ صيغة "المؤامرة" لدىالرأي العام الأردني والفلسطيني على السواء؛ فالقوى السياسية الأردنية، وتحديداً اليمينية، ترى ذلك تعزيزاً لمشروع "الوطن البديل"، ولتآكل "الهويةالوطنية" الأردنية، وتجعل من هذا الموضوع عنواناً لمواقفها السياسية، لذلك تطالب بالحصول على ضمانات أكبر بـ"قوننةفك الارتباط". أمّاالفلسطينيون؛ فترى نسبة كبيرة منهم، أيضاً، في هذا السيناريو مؤامرة على الدولة الفلسطينية المستقلة الموعودة، ورضوخاً للضغوط الإسرائيلية، ومسمارا في نعش السلطة الفلسطينية، التي راهنت على التسوية السلمية، ثم هي اليوم تصل إلى انسداد سياسي!ضمن هذه الوقائع التي تشي بعدم إمكانية "تمرير" مثل هذا المشروع أو تسويقه لدى الشارعين الأردني والفلسطيني، على السواء، وفي ضوء المعطيات الواقعية التي تؤشّر إلى تصلب إسرائيل في مفاوضات السلام، ما يمحو أي معنى لمثل هذا السيناريو، طالما أنّ القدس والحدود ما تزال قضايا معلّقة؛ فإنّ السؤال المنطقي هو ما سرّ طرح الموضوع في حال تمّ ذلك حالياً من قبل السلطة الفلسطينية (التي نفت بدورها خبر القدس العربي حول دعوة الرئيس عباس لقيادات من حركة فتح لمناقشة سيناريو الكونفدرالية مع الأردن بوصفه مطروحاً بقوة، إلا أنّ مصادر أخرى أكدته للصحيفة)؟..ربما يكون أكثر من اقترب بصورة مقنعة من الجواب على ذلك هو الزميل عريب الرنتاوي في مقالته أمس؛ إذ ربط ذلك بالاستعداد لإطلاق مفاوضات السلام من جديد، ومنح إسرائيل ضمانات سياسية، تتمثّل بوجود الأردن مع الطرف الفلسطيني، واستعداده لتأمين دعم استراتيجي في حال تم التفكير في سيناريوهات مستقبلية بين الطرفين.يعزّزمن هذا التحليل التسريبات التي تتحدّث عن إعادة إطلاق محادثات السلام خلال الأشهر الأولى من العام القادم، وهو كما فهمنا من سياسيين مطّلعين بمثابة تفاهم مسبق بين الدول الأوروبية والسلطة الفلسطينية، تم على أساسه تصويت هذه الدول لصالح السلطة في الأمم المتحدة، لكن الاتفاق يقتضي باستئناف المفاوضات من دون شروط فلسطينية مسبقة!تنظردول عربية أخرى إلى استئناف المفاوضات وإبقاء السلطة على قيد الحياة في سياق محاولة إحياء "محور الاعتدال العربي" فيمواجهة المحور الجديد (تركيا، قطر ومصر)، الذي يمنح الأفضلية والقوة لغزّة، وتُرجم ذلك بزيارة أمير قطر ورئيس الوزراء المصري وأردوغان إلى غزة، لتأكيد دعم حركة حماس، وهو ما يمثّل ضربة قاسية لمشروع السلطة الفلسطينية.لم يهتم أغلب المحللين بالتأكد من حيثيات الخبر ولا مدى دقته، فكل ما في الأمر أنّ الكل كان ينتظر عود الثقاب لإشعال نقاشات وهواجس مخبّأة، من دون أن نمتلك تصورات معمّقة فعلاً لسيناريوهات وبدائل نجاح التسوية أو فشلها أو حتى مستقبل المصالحة الفلسطينية والعلاقات الأردنية- الفلسطينية،فكل ما يصدر عنّا ما يزال في حدود "ردودالأفعال" والانفعالات، من دون أي خطة عمل حقيقية!m.aburumman@alghad.jo