البطوش: خلل في دعم اتخاذ القرارات الاستراتيجية

أخبار البلد -  قال نائب رئيس المركز الوطني للأمن وإدارة الأزمات الدكتور رضا البطوش إن "الأكاديمية الملكية للدراسات الحكومية" تهدف إلى دعم صانع القرار على المستوى الاستراتيجي.

وأضاف د. البطوش: إن مثل هذه الاكاديمية كأداة إصلاحية أصبحت من الأولويات الملحة لتطوير الإدارة العامة والمحلية في الدولة.

وأشار إلى أن أهمية الإصلاح الإداري تكمن في كونه محورا مؤثرا في محاور الإصلاح الأخرى (السياسي والاقتصادي والاجتماعي).

ونبّه د. البطوش إلى أن "لدينا من المؤشرات ما تستدعي أعلى درجات اليقظة لاتخاذ كل ما يلزم للمحافظة على استقرار ونمو اقتصادي يسهم في إيجاد حاضنة للاستقرار الاجتماعي".

وقال نائب رئيس المركز الوطني للأمن وادارة الازمات: هناك ضعف آليات وأنظمة دعم اتخاذ القرار، خصوصاً على المستوى الاستراتيجي، واتساع الفجوة بين التخطيط والتنفيذ، مشيرا إلى أن تولي الإدارة من خلال إحلال عشوائي لا يستند إلى معايير وسياسات وأنظمة، يضر في جودة الخدمات الحكومية، وبالتالي سيلمس المواطن فجوة بين الحد الأدنى مما يتطلع إليه وما تقدمه المؤسسة العامة.

وأكد أن للإصلاح الإداري دور في تخليص المجتمع من الواسطة والمحسوبية ويقلل من ردود الفعل السلبية الناشئة عن الإحساس بعدم العدالة وتكافؤ الفرص.

ونوه إلى أن الهدف هو أن يكون اجتياز المسار التدريبي والبرنامج التعليمي متطلباً قانونياً إلزامياً لمن يريد أن يقدم نفسه منافسا على مناصب الإدارة العليا في القطاع العام.

وتأتي أهمية هذه الأكاديمية لمسوغات عدة منها افتقار الجهاز الحكومي لسياسات الاختيار والتعيين في المستويين الأوسط والأعلى، وافتقار البرامج الدراسية في الجامعات الأردنية لبرنامج متخصص في إدارة المنظمات الحكومية، وغياب البرامج التدريبية الشاملة والموجهة لتأهيل القيادات الإدارية في القطاع العام، بالإضافة إلى أن غياب السياسات والبرامج التي من شأنها الاحتفاظ بالكفاءات الوظيفية في مؤسسات القطاع العام يظهر الحاجة إلى مؤسسة معنية بالتأهيل المستمر.

وتاليا نص الورقة

نحو أكاديمية وطنية للدراسات الحكومية

الدكتور رضا البطوش

عـــــــــــام

تواجه المملكة في هذه المرحلة جملة من التحديات (إقتصادية، وإجتماعية، وأمنية، وسياسية)، وهذه التحديات ترتبط وبشكل مباشر بالمتغيرات والتحولات التي طرأت على البيئة الإستراتيجية السائدة بأبعادها (الدوليــــة، والإقليميـــة، والمحليـــة). ففيما يتعلق بالتحدي الإقتصادي، فلدينا من المؤشرات ما يستدعي أعلى درجات اليقظة والمبادرة لاتخاذ كل ما يلزم للمحافظة على إستقرار ونمو إقتصادي يسهم في إيجاد حاضنة للإستقرار الإجتماعي.

لقد تركت تفاعلات البيئة الإستراتيجية السائدة أثاراً واضحة على منظومة القيم الاجتماعية محلياً، ولعل من ابرز مظاهرها ما شهدته محافظات المملكة من توترات سبقت ورافقت مرحلة ما يعرف بالربيع العربي، والتي أظهرت نزعات غير مألوفة في الفكر والممارسة، تغذية إحباطات اجتماعية واقتصادية، وتدفعه الرغبة في محاكاة ما يجري في الإقليم من توترات، وبشكل بات يؤثر على أمننا الوطني.

مثل هذا الواقع يستدعي تحقيق أعلى درجات التناغم والتكامل في أداء منظومة الأمن الوطني والتي تقف على رأسها الحكومة بوزاراتها ومؤسساتها المختلفة، مما يبرز العديد من التساؤلات حول "مدى وعي وقدرة وجاهزية (تلك المنظومة) على التكيف ومواجهة ما قد يفرزه هذا الواقع من تحديات، وتحديداً فيما يتعلق بأدائها وقدرتها على معالجة الملفات الرئيسة ذات الصلة بواقع المواطنين وهمومهم، وأمام هذا الواقع فإن الضرورة تستدعي وقفة للتأمل والمراجعة الموضوعية لكل ما يعتري هذه المنظومة من مظاهر الترهل والتآكل التي قد تصل بمؤسسات الدولة إلى مرحلة تصبح عندها غير قادرة على التكيف الإستراتيجي في ظل بيئة سريعة التغيّر، والتي قد تضطر عندها الدولة إلى دفع ثمن باهض على المدى البعيد جراء ذلك.

خلافاً للمفهوم الشائع حول تلازم مفهوم الإصلاح مع وجود (الخلل والعجز) على مستوى المنظومة الإدارية، فإننا نرى بان المتطلبات الموضوعية للتكيف مع المتغيرات هي مبرر كاف للإصلاح الإداري الشامل، بحيث يتكامل مع الجهود الإصلاحية للدولة، والتي أطلقها جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين، وعليه فإن مشروع إنشاء أكاديمية وطنية (الأكاديمية الملكية للدراسات الحكومية) تعنى بتطوير العنصر البشري في مؤسسات الدولة المختلفة أصبح من الأولويات المتقدمة وضرورة ملحة لتطوير الإدارة العامة والإدارة المحلية في الدولة الأردنية، حيث يأتي هذا المشروع كأداة إصلاحية تختص بمحور الإصلاح الإداري والذي لا شك في أنه محور مؤثر في محاور الإصلاح الأخرى (السياسي والاقتصادي والاجتماعي). حيث يقوم هذا المشروع على غاية قوامها تشييد صرح مؤسسي بكل ما تحمل الكلمة من معنى يسعى إلى تمكين وتعزيز الممارسات القيادية الإدارية الفضلى في كافة المؤسسات الوطنية وفي مقدمتها مؤسسات القطاع العام، فكل ما نشهده من ضعف آليات وأنظمة دعم اتخاذ القرار وخصوصاً على المستوى الإستراتيجي، وغياب السياسات الناظمة والملائمة لتنمية الموارد البشرية، وتلاشي جهود المتابعة والتقييم، واتساع الفجوة بين التخطيط والتنفيذ، والإفتقار لسياسات وآليات الإختيار والتعيين والترقية لموظفي الجهاز العام جعل فرص إحلال قيادات إدارية، وخصوصاً في المستويين الإداري الأعلى، والإداري الأوسط، فرصاً ضئيلة؛ الأمر الذي أثر في نهاية المطاف على الدور الذي يمكن أن تحدثه مؤسسات القطاع العام في التنمية، حيث أن تولي الإدارة من خلال إحلال عشوائي لا يستند إلى معايير وسياسات وأنظمة يضر في جودة الخدمات الحكومية ويخلق مجالاً للإرتجالية في اتخاذ القرارات وإدارة الموارد العامة وبالتالي سيلمس المواطن فجوة بين الحد الأدنى مما يتطلع إليه وما تقدمه المؤسسة العامة.

إن للإصلاح الإداري القائم على مبدأ وضع الرجل المناسب في المكان المناسب دوراً كبيراً في تخليص المجتمع من بعض الأمراض المجتمعية الضارة وفي مقدمتها الواسطة والمحسوبية ليحل مكانها تدريجياً الإيمان بمبادئ الإدارة الرشيدة، كما وأنه سيقلل من ردود الفعل السلبية الناشئة عن الإحساس بعدم العدالة وتكافؤ الفرص في الحصول على مكتسبات التنمية والخدمات العامة والحق في المنافسة المشروعة على تولي المواقع القيادية الإدارية في المؤسسات العامة.

الأكاديمية الوطنية للدراسات الحكومية كجزء من مفهوم الإصلاح الإداري

الإصلاح الإداري في التعريف هو "عملية سياسية تهدف إلى إصلاح العلاقات إما بين الجهاز الحكومي والعناصر الأخرى لمجتمع ما أو داخل الجهاز الحكومي نفسه، أي المفهوم الذاتي عبر ( التأهيل، التقييم، الرقابة والمتابعة العملية) والتي تفترض أن الإصلاح هو عملية مستمرة وتلقائية تقوم على وجود منظومة قادرة على اكتشاف مصادر الخلل ومعالجة الأخطاء.

تهدف هذه الأكاديمية إلى تطوير الإدارة العامة والإدارة المحلية في الدولة من خلال تأهيل العاملين فيها لتولي الأكفياء منهم المواقع القيادية للمستويات الإدارية الدنيا والمتوسطة والعليا، وبناء قدرات المؤسسات العامة في مجال وضع سياسات وتطوير أنظمة إدارة وتنمية الموارد البشرية وربطها بالمسارات الوظيفية والتدريبية والتعليمية للعاملين في القطاع العام، إضافة إلى تحسين كفاءة القادة الإداريين في مجال الإدارة الإستراتيجية في المؤسسات العامة، ونشر وتعميم الممارسات الإدارية الفضلى وقصص النجاح بين المؤسسات العامة، والمساهمة في تعزيز ممارسات الإدارة الرشيدة في المؤسسات العامة.

ستعنى هذه الأكاديمية بتقديم التدريب المستمر والتأهيل العلمي الأكاديمي (الدراسات العليا) للمستهدفين في شغل الوظائف في المستويات القيادية الثلاث في المؤسسات العامة والقطاع الخاص، وستركز برامج التدريب وبرنامج التأهيل العلمي المتقدم على تطوير المهارات الإدارية والإشرافية والمهارات الذاتية وتطوير أدوات وأساليب الإدارة الفعالة بشكل متدرج يبدأ من التدريب المبتدئ أو التأسيسي للموظفين الجدد انتقالا إلى التدريب المتوسط للمستهدفين في شغل وظائف الإدارة الوسطى ثم التدريب المتقدم للمستهدفين لشغل وظائف في الإدارة العليا، وستعمل الأكاديمية على التوصية بإجراء التغيير التشريعي اللازم على السياسات الإدارية وسياسات الموارد البشرية لتصبح متلائمة مع رؤية وأهداف الأكاديمية الأمر الذي سيجعل اجتياز المسار التدريبي والبرنامج التعليمي متطلباً قانونياً الزامياً لمن يريد ان يقدم نفسه منافسا على مناصب الإدارة العليا في القطاع العام، وهذا ما سيفضي إلى أن قرار الاختيار والتعيين سيكون مستنداً إلى معايير محددة وواضحة وقابلة للقياس بحيث تكون الفرصة الأكبر لصاحب التحصيل التدريبي والتعليمي الأكبر، ولمن تتوفر فيه الشروط المهنية والشخصية التي تتطلبها الوظيفة العليا. كما ستقدم الأكاديمية خدمات التدريب الاستشاري والموجه لتطوير أنظمة وسياسات وبرامج وأدوات تنظم إدارة وتطوير الموارد البشرية في القطاع العام ضمن محاور مثل الإختيار والتعيين، التدريب والتطوير، تقييم الأداء، الإحلال الوظيفي، التحفيز، وتطوير سياسات وإجراءات العمل، وبالتالي فإن هذه الأكاديمية لن تكون بديلاً عن مؤسسات قائمة بل أداة موجهة لتطوير وتحسين أداء ونتائج مؤسسات القطاع العام، والمساهمة في إيجاد سياسات وأنظمة من شأنها وضع الرجل المناسب في المكان المناسب، وتحقيق مستويات أعلى من تكافؤ الفرص في شغل المناصب العامة.

تأتي أهمية إنشاء هذه الأكاديمية من غاية رئيسة هي المساهمة في جهود الاصلاح الإداري بوصفه محوراً من محاور الإصلاح الشامل في الأردن، ولتكون إستجابة للرؤية الملكية الشاملة للإصلاح كخيار إستراتيجي تستطيع من خلاله الدولة مواجهة التحديات والعقبات التي تعترض جهود التنمية الشاملة، الأمر الذي يتطلب وجود مؤسسة ترعى وتؤهل رواد الإصلاح ليكونوا جديرين بما يوكل إليهم من مهام إصلاحية وعلى مختلف الصعد، كما وتأتي أهمية هذه الأكاديمية من المسوغات التالية:

 افتقار الجهاز الحكومي والإدارة العامة لسياسات ناظمة لعمليات ادارة وتطوير الموارد البشرية في مؤسسات القطاع العام، وفي مقدمتها سياسات الإختيار والتعيين خصوصاً لشاغلي الوظائف الإدارية في المستويين الأوسط والأعلى، وسياسات التأهيل وأنظمة ربط المسارات التدريبية بالمسارات الوظيفية وخطط الإحلال الوظيفي والترقية، الأمر الذي سيزيد من فرص تولي أكثر الأشخاص ملائمة لوظائف الإدارتين الوسطى والعليا، بحيث تكون مستويات الخدمة التي تقدم للمواطن ترتقي لمستوى طموحاته، مما يساهم في تضييق الفجوة بين المؤسسة العامة والمواطن متلقي الخدمة.

 افتقار البرامج الدراسية في الجامعات الأردنية لبرنامج متخصص في إدارة المنظمات الحكومية حيث أن إدارة المنظمة الحكومية تتطلب أن يكون رأس الهرم فيها مؤهلاً بالمعرفة والمهارات الإدارية والقيادية إلى جانب المعرفة المهنية المتخصصة في نطاق عمل المنظمة، لذا يأتي دور هذه الأكاديمية في استكمال الحلقة المفقودة وهي التأهيل الإداري والقيادي ليصبح كل من يتولى مناصب الإدارة العليا مؤهلاً في اختصاص عمل المنظمة ومؤهلاً في الإدارة والقيادة.

 غياب البرامج التدريبية الشاملة والموجهة لتأهيل القيادات الإدارية في القطاع العام، إذ يقتصر ذلك على برامج غير مصممة لاحتياجات ومتطلبات العمل العام، مع غياب الآليات الجادة لمتابعة وتقييم نتائج هذه البرامج وقياس أثرها على أداء الموظف العام.

 غياب السياسات والبرامج التي من شأنها الاحتفاظ بالكفاءات الوظيفية في مؤسسات القطاع العام يظهر الحاجة إلى مؤسسة معنية بالتأهيل المستمر والذي يفتح الآفاق أمام الموظف العام ويرسخ في داخله بأنه يسير في طريق إذا ما سلكها واجتاز مراحلها فإنه سيصل إلى مواقع وظيفية متقدمة مما سيخلق لديه الدافع بضرورة الاستمرار في الوظيفة العامة أولاً، وضرورة المثابرة لتطوير قدراته الذاتية والوصول إلى المواقع القيادية التي يطمح إليها ثانياً.

إن استهداف هذا المشروع للعنصر البشري تأهيلاً وتدريباً وتعليماً، وسعيه لتطوير السياسات والأنظمة والمساهمة في تطوير آليات الاختيار والتعيين والترقية ورسم المسارات الوظيفية سيعزز مستوى كفاءة وفاعلية أداء الإدارة الوسطى والتي تعتبر العمود الفقري في بناء المؤسسة والداعم الرئيس لقرارات الإدارة العليا وهذه الأخيرة تحتاج عملياً لفريق من القادة المؤهلين من مستوى الإدارة الوسطى لمساعدتها في عملية اتخاذ القرارات كما ستعمل كحلقة الوصل لتطوير من هم في مستوى الإدارة الدنيا ومصدراً لتطوير أفرادها وإحلال المؤهلين منهم في وظائف الإدارة الوسطى، في المقابل سيكون قادة الإدارة الوسطى مصدراً لانتخاب أفضلهم للإحلال في وظائف الإدارة العليا وهكذا تصبح عملية التأهيل والتطوير عملية مستمرة تبعث الحياة المتجددة في المؤسسة وتعزز المشاركة والتنافس على الإنجاز وتزيد من مستوى الرضى الوظيفي والانتماء المؤسسي والإحساس بالمسؤولية المجتمعية والوطنية وبما يضمن تحسين جودة الخدمات الحكومية ومستوى رضا المواطن (متلقي الخدمة) عنها، وكما هو دأب المؤسسات الأردنية المختلفة عبر تاريخ الدولة فإن هذه الأكاديمية ستكون مرشحة لتعمل كمركز إقليمي متميز للدراسات الحكومية.