«ألعاب انتخابية» من طراز جديد
الذين يتدافعون اليوم لتقديم انفسهم مرشحين للانتخابات النيابية القادمة عن عشائرهم ومناطقهم وتجمعاتهم المهنية والفكرية معهم كل الحق ولديهم المسوغات الكافية لخوض الانتخابات والمجازفة بفرصة الخسارة او الامل بالفوز ذلك لان الانتخابات هذه المرة وبكل المعايير مختلفة, فالرهان الآن على ارادة الناس لا على توجهات السلطة , فلا الحكومات ولا غيرها من مؤسسات الدولة لها صلاحية التوجيه لتغيير النتائج, وهذه بحد ذاتها ميزة في انتخابات 2013 عن غيرها, وهي بالتالي منشط لطموحات السياسيين من مختلف المدارس لخوض معركتهم ولو من قبيل التعرف على مدى قبول الناس للفكر السياسي عندما يتعلق الامر بالانتخابات, وهي دافع للمزيد من الثقة بالنفس وبالنهج حين تتساوى الفرص وترتبط بالشعبية والقبول بين اوساط العامة وليس بمدى التوافق مع التوجهات الرسمية او بمدى الانسجام مع مزاج هذا المسؤول ام ذاك كما كان يحدث احيانا .
تحظى هذه الانتخابات على غير المتوقع باهتمام الناس والاحزاب والاتجاهات الفكرية في البلد رغم عدم الشعور حتى الآن بمستوى هذه الاهتمام, لكنه اهتمام يتسم بالحذر في توصيف المضمون الذي ستقوم عليه هذه الانتخابات, فهي مختلفة حتى بمفهوم التقليديين والعشائريين, وهي اصعب من اية انتخابات سبقتها لانها لا تقوم على فكرة ان اي فصيح متكلم قادر على ان يكون نائبا هذه المرة, فما يتداول من حديث عن هذه الانتخابات اعمق كثيرا مما نعرفه من تجاربنا السابقة وكما عرفناها في الدواوين وصالونات الهرج الارتجالي غير المسؤول, فما يقال الآن على السنة المرشحين والمؤازرين يحتاج الى التدقيق, وليس كل ما يقال يمر بدون اسئلة الحاضرين واستفساراتهم التي قد تصل حد خوض الجدل المعمق حول جزئية من برنامج انتخابي يؤتى على ذكره مصادفة, وهذا ما يضفي على هذه الانتخابات وحملاتها المختلفة التي انطلقت بالفعل في ارجاء البلد طابع الحذر عند الكلام والحرص على عدم المجازفة بكلمة طائشة والا فالجمهور بالمرصاد .
اذن فهي انتخابات لا مكان فيها لغشيم ولا لمن اعتاد الاعتماد على الصوت التلقائي الا اذا كان مجازفا بالفعل ويرى الاردن بمنظار العام 2010 , مع ان هذا البلد مر بأعمق تجاربه في السنتين الماضيتين وما زال يخضع للتغير كل شهر مرة على الاقل, فهل تغير معه المرشحون المثابرون اصحاب الاعتقاد انه حظوتهم بين الناس ما زالت بذات القدر او لنقل بذات المضمون ؟
ان الذين استوعبوا حجم وشكل وجوهر التغيير الذي اجتاح المنطقة ومنها الاردن ثم تكيفوا مع الواقع الجديد وحرصوا على تربية انفسهم من خلال فهم وهضم التجارب المتسارعة والمساهمة المباشرة في عملية الاصلاح فعلا لا تنظيرا وبالتالي تعلموا اللعب باوراق المرحلة, هم الذين لهم الفرصة في الانتخابات القادمة على اساس برامج الناس لا برامجهم, وعلى ضوء الناتج - حتى الآن- من العصف الذهني الدائر في كافة انحاء المملكة, فإن عدد الذين قرروا الترشح لهذه الانتخابات اقل كثيرا من المرات السابقة والسبب في ذلك ليس الموقف من الانتخابات او المقاطعة او حالة الاحباط او غير ذلك, السبب مرة أخرى هو الخوف من برامج المرحلة ومن المتغير بحد ذاته, ومن الاحراج ومن الجهل بحيثيات وتفاصيل الواجب والمطلوب من نائب الامة بعد ربيعها, الخوف من عدم الالمام باصول اللعبة الجديدة وربما عدم استيعاب صدمة المستجد الذي تراكم كثيفا في زمن قياسي, ولنفس السبب تحظى هذه الانتخابات باقبال زبائن جدد من المجددين ووعاظ المرحلة من السياسيين الذين طالما اعتكفوا واستنكفوا لان الانتخابات الماضية لم تكن بكل بساطة من مستواهم الفكري والسياسي ..!