الملك: مسيرة الإصلاح تسير بثبات وقوة إلى الأمام

اخبار البلد 

أكد جلالة الملك عبدالله الثاني خلال لقائه عددا من القيادات السياسية والفكرية والإعلامية البريطانية أن مسيرة الإصلاح الأردنية تسير بثبات وقوة إلى الأمام في مختلف المسارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وأن إجراء الانتخابات النيابية القادمة، في الثالث والعشرين من الشهر المقبل، هي محطة أساسية في هذه المسيرة وسيتبعها محطات عديدة تلبي تطلعات الأردنيين في بناء غد افضل.
وأشار جلالته، الذي عاد إلى أرض الوطن اليوم الجمعة بعد زيارة عمل إلى بريطانيا، أنه "لا تردد في المضي قدما في الإصلاح، الذي لن يتوقف في وقت معين بل سيتسمر، وعلى أعلى درجات التوافق والإجماع الممكن حول مختلف التفاصيل، وصولا إلى تعزيز بناء الدولة الأردنية الحديثة التي يشارك جميع أبنائها وبناتها في صياغة مستقبلها".
واستعرض جلالته خلال اللقاء خارطة الإصلاح التي انتهجها الأردن بدءا من التعديلات الدستورية التي شملت نحو ثلث الدستور، وتطوير القوانين الناظمة للحياة السياسية، وتشكيل هيئة مستقلة للانتخاب، وإنشاء المحكمة الدستورية، وصولا إلى إجراء انتخابات مبكرة تنطلق معها تجربة الحكومات البرلمانية التي تهدف إلى تعزيز مشاركة المواطن في عملية صنع القرار وتحمل نتائجه.
وقال جلالته إن صوت المواطن في الانتخابات النيابية القادمة سيكون حاسما في بناء مستقبل الأردن وأن "على الجميع تحمل مسؤولياتهم الوطنية في إيصال الأقدر على تمثيلهم في البرلمان القادم، وحمل همومهم وقضاياهم الوطنية في مختلف المجالات"، مؤكدا أن الطريق الأساسي لتحقيق التغيير الإيجابي هو من تحت قبة البرلمان وعبر القنوات الدستورية التي تم بناؤها على مدار تسعين عاما من عمر الدولة.
وبين جلالته أن الجميع يتحمل المسؤولية التاريخية في هذه المرحلة، من حيث ضمان وصول الأكفأ إلى مجلس النواب ومحاسبته على أساس برامجه وما يقدمه للوطن والمواطن، مؤكدا أن على الناخبين والمرشحين تقديم مصلحة الوطن العليا على جميع المصالح الأخرى.
ولفت جلالة الملك، في معرض حديثه عن عملية تطوير الحياة السياسية في الأردن، إلى أهمية أن يقدم المرشحون برامج عملية وواقعية للتعامل مع مختلف القضايا والتحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يواجهها الوطن، وأن الحكم على هذه البرامج سيكون "مواطننا الأردني الذي نقدر وعيه وحرصه على استمرار مسيرة الإصلاح الأردنية الشاملة لتكون نموذجا يحتذى في المنطقة"، مؤكدا أنه بحجم المشاركة الإيجابية من الجميع، ناخبين ومرشحين، سيكون حجم التغيير الإيجابي الحقيقي.
وركز جلالته في حديثه على ضرورة تشكيل كتل سياسية تتكون من قوائم وطنية، تكون مُمَثِّلة لكل مناطق المملكة، ومرشحين على مستوى المحافظات، أي الدوائر الانتخابية المحلية، وصولا إلى توجهات تعكس اليسار واليمين والوسط، مضيفا أن مرحلة ما بعد الانتخابات ستبدأ من البرلمان الجديد، ويبدأ معها نهج التكتلات النيابية، والتشاور مع مجلس النواب لاختيار رئيس الوزراء وتشكيل الحكومة. وأوضح جلالة الملك أن مسار الإصلاح التدريجي الذي يضمن أعلى درجات التوافق ويحترم تعددية الأفكار والطروحات لجميع القوى وأطياف المجتمع هو ما سيضمن ديمومة وفاعلية مسيرة الإصلاح في الأردن ويعززها.
ولفت جلالته إلى أن آلية التشاور مع مجلس النواب لتشكيل الحكومة تتضمن التشاور على شخص رئيس الوزراء من خلال الكتل البرلمانية التي ستتشكل في البرلمان بعد الانتخابات، حيث يبادر الرئيس المكلف للتشاور مع الكتل النيابية لمجلس النواب ومع القوى السياسية الأخرى لتشكيل حكومة تحظى بأغلبية نيابية ويتقدم للحصول على الثقة بناء على بيان الحكومة الناجم عن عملية التشاور وعلى أساس برامجي لمدة أربع سنوات.
وأوضح جلالته خلال اللقاء وفي رد على إحدى المداخلات أنه من المهم الاستمرار في تطوير قانون الانتخاب ليصبح أكثر تمثيلا، وبما يضمن المحافظة على مبدأ التعددية ويعززه، ويشجع على تأسيس أحزاب سياسية ذات قاعدة وطنية تعددية تمكنها من التنافس بعدالة وبقوة في العملية السياسية.
وأكد جلالته أنه يدعم كل أشكال التعبير المسؤولة التي تحافظ على منجزات ومقدرات الوطن، مشددا في هذا الصدد أنه مع الحراك البناء، الذي وصفه بالمحرك الأساسي ليتحمل الجميع مسؤولياتهم بكل أمانة وشفافية ونزاهة لما فيه صالح الوطن وخير المواطن.
وقال جلالته أنه يدعم توجهات الحراك البناء الهادفة إلى مأسسة عملهم في قوى سياسية تشارك بالانتخابات النيابية القادمة، وتقدم رؤاها الإصلاحية ومطالبها المشروعة على مختلف المسارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية من تحت قبة البرلمان، ومن خلال ممثليهم المنتخبين.
وبين جلالة الملك خلال اللقاء أن العمل منصب الأن على الموازنة بين مطالب الجميع، خصوصا الأغلبية الصامتة، وتلك المطالب التي تقدمها القوى السياسية الفاعلة على الساحة المحلية، والتي لا تتوافق مع بعضها البعض في أغلب الأحيان، مشددا على أن هذا التوازن مهم لتحقيق أعلى درجات التوافق والإجماع الوطني حول مختلف القضايا.

وحول مستجدات الأوضاع في المنطقة، شدد جلالة الملك على أنه وبالرغم من التحديات الكبيرة التي تواجه الشرق الأوسط، تبقى القضية الفلسطينية القضية المركزية والجوهرية، وأن حلها بشكل عادل ودائم سيشكل مدخلا لحل العديد من القضايا التي تواجه شعوب المنطقة.
وقال جلالته إن إيجاد حل شامل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي يعالج مختلف قضايا الوضع النهائي يعد أولوية على المجتمع الدولي العمل على تحقيقها.
وأكد جلالة الملك أن على جميع الأطراف الإقليمية والدولية دعم حل الدولتين، الذي يشكل السبيل الوحيد لتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة، محذرا من نفاذ عامل الوقت دون التوصل إلى هذا الحل، وتداعيات ذلك على مستقبل المنطقة وشعوبها.
ونبه جلالته إلى الخطورة الكبيرة التي يشكلها استمرار سياسة إسرائيل الاستيطانية على مستقبل عملية السلام والقدرة الحقيقية على قيام الدولة الفلسطينية المستقلة والمتواصلة جغرافيا.
واعتبر جلالة الملك أن الانخراط الدولي، خصوصا الأميركي والأوروبي السريع لإحياء عملية السلام وإخراجها من دائرة الجمود، أولوية يجب أن تتصدر الأجندة العالمية، خصوصا مع انتخاب الرئيس الأميركي باراك أوباما لفترة رئاسية ثانية.
وشدد جلالته على أن الوصول إلى السلام في الشرق الأوسط لن يتحقق دون تمكين الشعب الفلسطيني من إقامة دولته المستقلة والقابلة للحياة والتي تعيش بأمن وسلام إلى جانب إسرائيل، داعيا جلالته إلى عدم تفويت فرص تحقيق السلام التي سيكون له تداعيات سلبية على مستقبل شعوب المنطقة.
وحول تطورات الأوضاع المتفاقمة على الساحة السورية، قال جلالته إن الوضع في سوريا يزداد سوءا يوم بعد يوم، وأن معاناة الشعب السوري تتعمق مع مرور الوقت دون وجود مخرج نهائي وحل سياسي وإنساني شامل.
وأعرب جلالته عن قلقه من تدهور الأوضاع في سوريا، وانعكاسات ذلك جراء تدفق المزيد من اللاجئين على دول الجوار.
واستعرض جلالته الجهود التي يقوم بها الأردن لتقديم خدمات الإغاثة الضرورية للاجئين السوريين في المملكة، والذين زاد عددهم عن ربع مليون لاجئ، وما يتطلبه ذلك من مساعدة دولية للتعامل مع هذا الظرف وتطوراته.
وتحدث جلالة الملك خلال النقاش عن الربيع العربي، الذي شكل نقطة تحول رئيسية في تاريخ المنطقة، "إلا أن نتائج تحولاته ستحتاج إلى سنوات لبيانها، وسيكون لكل دولة عربية تجربتها الخاصة عن الأخرى".
وقال جلالته إن الحكم على الربيع العربي سيكون مبنيا على "مدى قدرتنا على حماية التعددية، ومدى نجاحنا في تعزيز مبدأ رقابة الشعوب على مسار التحول الديمقراطي الذي يحمي حقوق الجميع بما فيهم الأقليات، ويحافظ على نهج التسامح والاعتدال، ويقوي مؤسسات العمل الديمقراطي، ويحسن مستوى حياة المواطنين، ويؤدي إلى قيام حكومات مساءلة من قبل الشعوب تنتهج الشفافية والنزاهة والعدالة مبادئ أساسية في عملها".
واستعرض جلالته خلال اللقاء الجهود التي يقوم بها على مختلف الصعد للتعامل مع التحديات التي تواجه منطقة الشرق الأوسط، ومنها زيارته التي اختتمها اليوم إلى العاصمة البريطانية لندن، واللقاءات التي عقدها مع المسؤولين البريطانيين.
وأعرب الحضور عن تقديرهم لرؤية جلالة الملك الإصلاحية الهادفة إلى المضي قدما في بناء الأردن الحديث، وتثمينهم لعمق الطرح الذي قدمه جلالة الملك خلال اللقاء، وقراءته المستنيرة للتحديات التي تواجه الشرق الأوسط وسبل التعامل معها.
وبينوا أن جلالته قد وضعهم خلال اللقاء بصورة ما يجري من تطورات في المنطقة بكل موضوعية ووضوح، الأمر الذي سينعكس على فهمهم وتعاملهم مع هذه التطورات.
وأشاد الحضور بقدرة الأردن على إدامة مساره الإصلاحي الثابت مع المحافظة على ميزة الأمن والاستقرار، وهو الأمر الذي يلعب دورا كبيرا في المساهمة بأمن واستقرار المنطقة وشعوبها.
وقال البروفسور يوجين روجان من مركز الشرق الأوسط في جامعة أكسفورد في تصريح لوكالة الأنباء الأردنية (بترا)، والتلفزيون الأردني بعد اللقاء "لقد استفذنا جميعا من حديث جلالة الملك، الذي اطلعنا على وجهة نظره حيال الظروف السائدة في المنطقة بشكل عام، ومنذ بدء الربيع العربي، حيث تمر المنطقة بمرحلة تغير مهمة. والأردن كان وما يزال مركزا لكل سياسات المنطقة، وطبعا يلعب جلالته دورا من أهم الأدوار في هذه السياسات من حيث تحليلها وسبل التعامل معها".
وفي تصريح آخر، قالت الدكتورة كلير سبنسر، مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مؤسسة "تشتم هاوس" الفكرية بلندن، إن اللقاء مع جلالة الملك كان مفيدا للغاية "لأنه كون لدينا فهما أفضل تجاه ما يحدث في الشرق الأوسط من تطورات مهمة".
وكان جلالة الملك التقى خلال زيارته إلى لندن ولي العهد البريطاني سمو الأمير تشارلز، وأجرى مباحثات مع رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون ووزير الخارجية وليم هيج تناولت مستجدات الأوضاع في الشرق الأوسط، خصوصا جهود إحياء عملية السلام بعيد القرار الأممي الأخير بمنح فلسطين صفة دولة مراقب غير عضو، إضافة إلى التطورات المتسارعة في الشأن السوري، وعلاقات التعاون الثنائي وسبل تطويرها.
واجتمع جلالة الملك في مقر البرلمان البريطاني مع عدد من رؤساء وأعضاء لجان الشؤون الخارجية والدفاع والأمن في مجلسي العموم واللوردات، حيث استعرض جلالته الجهود الإصلاحية التي ينفذها الأردن وصولا إلى تجربة الحكومات البرلمانية، ومجمل تطورات الأوضاع في الشرق الأوسط.
وأكد جلالته، خلال استعراضه لمسيرة الإصلاح الشامل في المملكة، على دور الشباب الذين يشكلون الفئة الأكبر في المجتمع في المساهمة في الإصلاح والانخراط في العملية السياسية والانتخابات النيابية التي ستجرى في الثالث والعشرين من الشهر المقبل ليكون لهم صوتهم ورأيهم المؤثر تحت قبة البرلمان من خلال إيصال المرشحين الذين لديهم برامج واضحة تخدم المجتمع وتمكن الشباب وتضع حلولا لمشاكلهم.
واستعرض جلالة الملك خلال لقائه عمدة مدينة لندن روجر جيفورد أوجه تعزيز العلاقات الأردنية البريطانية في مختلف الميادين، خصوصا في مجالات ترسيخ الحوار والتعايش بين مختلف الديانات والشعوب، وتعزيز التعاون الثقافي بين البلدين.
وجرى خلال اللقاء التأكيد على أهمية نشر قيم التسامح ونهج الوسطية والاعتدال في مواجهة التطرف والغلو، مبينا جلالته أن الأردن يعمل باستمرار على إدامة كل ما يصب في ترسيخ التفاهم والتقارب عالميا.
كما التقى جلالة الملك رئيس أساقفة كانتربري، الدكتور روان وليامز، حيث تم التأكيد على أهمية الاستمرار في إدامة الحوار بين مختلف أتباع الديانات، وصولا إلى ترسيخ قيم التسامح والتواصل تعزيزا لرسالة المحبة والسلام، وخدمة للقضايا الإنسانية في مختلف مناطق العالم.