حقوق الجوار النفطي
يحادد الأردن، منطقة الجزيرة العربية والخليج، الغنية بالنفط والغاز. وهي منطقة قليلة السكان نسبيا، ولا تملك الموارد البشرية الكافية للنشاط الاقتصادي، أو للحفاظ على حدودها الطويلة إزاء عمليات التهريب المتعددة الأشكال والنشاطات الإرهابية والتدخلات الأمنية من مصادر مختلفة. فرص العمل العربية ـ والأردنية خصوصا ـ مثلت وتمثل حاجة عضوية للخليج، وليست مجرد استيعاب " كريم" لفائض العمالة في البلدان العربية غير النفطية، إلا أن العاملين في الخليج يتقاضون أجورا، أما العاملون داخل الأردن لضمان استقرار المنطقة الخليجية، اقتصاديا وجمركيا وشرطيا وأمنيا، فإنهم يتقاضون أجورهم من الخزينة الأردنية التي تتحمّل أعباء مضاعفة، جراء اضطرارها ليس فقط لحماية الحدود الطويلة الصحراوية، وإنما أيضا، وبالأساس، لضمان الاستقرار الاقتصادي الاجتماعي الداخلي الذي يحول دون الهجرات غير القانونية الممكنة. ولن نتطرق، هنا، إلى أن الأردن، تحديدا، دفع كلفة الحرب والصلح مع العدو الإسرائيلي نيابة عن المنطقة الخليجية بأسرها.
يقع ذلك كله في قلب عملية المساعدات الخليجية لخزينة المملكة التي طالما كانت الدبلوماسية الأردنية، ولا تزال، مشغولة بتأمينها دولارا دولارا، مع كل صيغ الشكر المتوفرة في قاموس اللغة العربية. وسيكون على الأردن، بعد ذلك، أن يساير سياسات لا تخدم مصالحه، بل ويرسل أبناءه للمشاركة في ضبط الأمن في دول خليجية.
هذه المعادلة، لم تعد قابلة للاستمرار؛
أولا، شهدت السنوات الأخيرة، نهوضا في الوطنية الأردنية وتنامي الشعور بالكرامة الجمعيّة، ما جعل الأردنيين يرفضون صيغة "المكارم" على المستوى الداخلي، ويهتفون في الساحات " حقوق لا مكارم". وينطبق هذا الوعي بالذات على السياسة الخارجية؛ لنا، هنا أيضا، حقوق لا مكارم. وهي ما أسميه "حقوق الجوار النفطي". فالجوار النفطي له كلفة باهظة، على النفطيين تسديد فواتيرها، باعتبارها جزءا من كلفة انتاج وتسويق وبيع النفط والغاز، لا باعتبارها مكرمات ومنحا ..الخ
ثانيا، ومن دون أن نغض الطرف، لحظة واحدة، عمّا عانيناه وما نعانيه من هدر وفساد وسوء إدارة للموارد، فإن كلفة إدارة الاستقرار الاقتصادي الاجتماعي في الأردن، تخطت الإمكانات المتاحة، ولم تعد تقبل الاضطراب في تدفقات حقوق الجوار النفطي على أسس سياسية. ولذلك، صار لا بد من تنظيم هذه الحقوق في اتفاقات رسمية وجدول تدفقات منتظم.
ثالثا، والأردن أيضا منطقة استثمارات خليجية تعمل في جنة ضريبية. ولم يعد مقبولا التعاطي مع هذه الاستثمارات وسواها كمنح مشكورة، فلا يوجد رأسمال في العالم يستثمر بلا أفضلية الربح. ولذلك، فإن الاستثمارات الخليجية، هي عملية لا علاقة لها بحقوق الجوار النفطي،
رابعا، ستواجه الدولة الأردنية، عما قليل، خيارات صعبة للغاية على المستوى الاقتصادي. وبما أن المجتمع الأردني الصاعد لم يعد يسمح بالركوع أمام المتطلبات السياسية للمساعدات، فإن قدرة الدولة على ضمان استحقاقات الجوار النفطي، سوف تتراجع موضوعيا، وستكون تكاليف هذا التراجع باهظة جدا على الجوار النفطي.
كل ذلك يتطلب مقاربة جديدة لتحصيل حقوق الجوار النفطي، تحتاج، أولا، إلى اقتناع ذاتي لدى الدبلوماسية الأردنية بها، ودراستها، وتوضيبها وفق مقتضيات القانون الدولي، وثانيا، إلى طقم جديد في الخارجية يمتلك إلى جانب الدبلوماسية، القدرات على تحصيل حقوق البلد.
قُيّض لي أن أقضي، في مطلع التسعينيات، ساعات ثمينة من الحوار مع القائد العراقي الفذ، طارق عزيز. وما زلت أذكر كلماته: نحن لا نساعد الأردن. كلا. الأردن هو جزء من الجيوسياسية العراقية، ونحن نزوّده بأقلّ من كلفة هذه الجيوسياسية. نحن نخطط للعراق والأردن معا ، ليس، فقط، من زاوية قومية، بل، بالأساس، من زاوية المصالح الوطنية العراقية ! .