شعارات وسط الحطام

كان وقع قرار رفع الأسعار كوقع القنابل على الناس. فبينما يغرق ذوو النسب الرفيع وغيرهم من لصوص المال العام في متعة مترفة، والاستجمام في جو من الطمأنينة والثقة ،انتفض الناس ذعرا من الجوع ،وأخذت الأردنيات بالتزاحم على الحاويات للتنقيب عن الطعام حسب ما نشر عبر وسائل الإعلام من صور تحت عنوان الإنسان أغلى ما نملك ،وهذه حقيقة مؤكدة .ومما سمعته قبل أعوام عندما كنت قائدا لأمن إقليم الجنوب، أن الناس هناك قد بدءوا بالتردد على الحاويات لاستعمال القمامة في التدفئة، أما اليوم فقد أصبحت مصدرا رئيسيا لتغذية كثير من العائلات الأردنية التي أحال اللصوص حياتها إلى (زفت).
سلامة النظام رهن باستعادة الأموال المنهوبة،وعزمه عزما أكيدا على معاقبة كل الفاسدين بلا استثناء .والشعارات مضيعة للوقت ومجرد حلول خرافية (ما بطعمي خبز) .وقد شبعنا من شعارات السعادة غير المنتظرة، في الأردن أولا . وعلى قدر أهل العزم ،ورسالة عمان ،ومدونة السلوك الوظيفي ،وميثاق شرف الوزراء ،التي لم تقدم ولم تؤخر شيئا إبان انتشار الفساد .
بدأ الناس إضرابا عن الولاء وسط حطام الدولة وفي غمرة حيرتهم في أمر إطعام أسرهم . وذاقوا ألوان العذاب من الفاقة والحرمان ،وأصبحت لقمة الأطفال وتدفئتهم وعلاجهم مشكلة لذويهم ونحن لا زلنا نعيد القصة المسلية ذاتها حول الثقة ومدوناتها ،فلا غرابة إذن في أن ردود فعل الناس حيالها كانت مثلجة وقد أنهكهم التفكير في الخبز.
لا داعي للتذكير بأن الجرائم المرتبطة بالنزاهة يعالجها قانون العقوبات، والمشكلة في التطبيق وليست بنقص الشعارات التي تضمنتها التشريعات كافة وعلى رأسها الدستور والقسم ،وإنما في الهيبة والطاعة في تطبيقاتها التي يحرص عليها جلالة الملك . والواقع أن هناك جراءة غير مسبوقة وتطاول مؤسف حتى من صغار الموظفين على هيبة النظام ،بلغ ذروته باحتجاز كتاب جلالة الملك في المطار ومنعه من الدخول حسب تصريح جلالته .
وفي سياق الحديث عن هيبة عمر بن الخطاب رضي الله عنه تتردد الحكاية التالية (كتب إلى أبي عبيدة يأمره أن يقاسم خالدا ماله إلى نصفين .فقاسمه جميع ماله حتى بقيت نعلاه،فقال أبو عبيدة إن هذا لا يصلح إلا بهذا .فأبى خالد أن يخالف أمر عمر فأعطاه إحداهما واخذ الأخرى).fayzshbikat@yahoo.com