الماء والكهرباء والوجه

بسام الياسين

حين استوت سفينة نوح على الماء...وسارت الى حيث كتب الله لها،ورست على طرف اليابسة."بسم الله مرساها ومجراها"،ثم فتحت ابوابها،لتنطلق المخلوقات المحشورة داخلها في كل الاتجاهات. كان الديك اول من قفز منها باحثاً عن طرف خيط ضوء للحرية،كي يطلق صيحته ايذاناً بفجر جديد،بعد الحجز الاضطراري الذي ضاعف من كبته ورغبته الجامحة في مطاردة الدجاجة الوحيدة على الارض في ذلك الزمن،قبل اختراع الفقاسات التي تتوالد فيها الدجاج من دون حاجة للاخصاب والوحم وبعيداً عن مشكلات النزف،ومخاوف الحمل، واوجاع الولادة.

*** ولان الدجاجة تخاف على سمعتها ان تلوكها الالسنة،ان اذعنت بسهولة للديك الشبق، اطلقت ساقيها للريح،ليندفع الديك خلفها بسرعة جنونية،لكنها كانت اكثر سرعة ورشاقة،وهو الذي فقد كثيراً من لياقته اثناء الحجز الاضطراري،لقلة الحركة على ظهر السفينة،ولسوء حظه لم تكن "الفياجرا" قد اخترعت بعد.فقال الديك معزياً نفسه لفشله الذريع :ساعتبر الجري خلف الدجاجة رياضةً صباحية.مذاك التاريخ،فقد الديك الكثير من لونه البراق،وفحولته العارمه،ورنين صياحه الجميل،بينما احفاده الديكة لايزالون يطاردون الدجاج في كل مكان دون حاجة لركض او كبير عناء،حيث اصبح الجميع يطارد الجميع.

*** هذا مايخص الديكة والدجاج،اما مايخصنا فان الامور تقاس بنتائجها،فان محصلة تجارب نهاية الالفية الثانية وبداية الالفية الثالثة،تؤكد ان الوضع الكارثي لاقتصادنا المترنح تحت ضربات تجريب المبتدئين في علم الاقتصاد مما انعكس على المواطن المحروم المغلوب على امره اذ انه اصبح مشروع متسول.جهابذة الاقتصاد عندنا لم يتركوا نظرية الا جربوها وكأننا فئران تجارب، فاستوردوا اقصى نظريات الراسمالية حتى ادنى الاشتراكية ومابينهما من مقايضة بدائية وخصخصة ولصلصة ولغوصة،لكننا مع كل هذا العبث لم نر حسابا لاحد ممن سرقونا،ولا عقابا لمن خرب بيوتنا .

*** تقول الحكاية :ان احد الاثرياء العرب اشترى حصانا للسباق بمئات الملايين ثم اكتشف الاطباء البيطريون انه هجين،امه فرس لكن والده حمار،اما الثري الثاني اشترى رقم سيارة في دولة الامارات بملاغ خيالي، اللافت اكثر ان احد "البطرانيين" اشترى رقم هاتف خلوي بمبلغ يغطي مصاريف الآف الطلبة الجامعيين لحين التخرج،بينما يبيع مواطن عندنا هاتفه ورقمه والرنات التي عليه وارقام هواتف عائلته واقاربه واصدقائه المسجلة على الهاتف لشراء وجبة عشاء لاهله... "قصة واقعية".

*** زائر خليجي زار الاردن بعد انقطاع لعدة سنوات...قال مندهشاً اختلط عليَّ الامر،هل مازلت في مدينتي ام في عمان فقد تتطابقت الفخامة والاسعار بالرغم من الفارق الشاسع بين الدخل بيننا وبينكم.سيارات الدفع الرباعي تملأ شوارعكم، في الوقت الذي تتعالى استنكاراتكم،وتزداد احتجاجاتكم على غلاء الوقود ،الادهى ان شوراعكم تضيق بسيارات الهمر،واعدادها اكثر مما لدينا.الاهم انني صعقت لاعداد المتسولين التي لم اشاهد مثلها في باكستان.

*** السؤال الاخطر الى اين نحن ذاهبون؟.الغالبية العظمى يعملون في القطاع العام الذي يئن من البطالة المقنعة،فيما رواتب القطاع الخاص متدنية. النقطة الحرجة ان الحكومة تعيش في مديونية ثقيلة لايعرف اخطارها سوى الواحد الاحد.الخلاصة اننا شعب فقير يعيش كفاف يومه،وزاد الامر سوءاً تراجع نوعية طعامه.المصيبة ان الكل في ازمة طاحنة،يعاني من وطأة الدين للبنوك والتجار، لدرجة ان صاحب البقالة صار اهم الف مرة من شيخ الحارة.

*** فيما تقول الرواية :ان دولة ما،امتنع مواطنوها عن دفع فواتير الماء والكهرباء،وكان امام المسؤولين خياران لاثالث لهما،اما ان تقوم بفصل التيار الكهربائي وقطع الماء عن الشعب باكمله،او ان تدفع الحكومة الفواتير المستحقة وامام اصرار الناس تحملت الدولة مسؤولياتها ودفعت الفواتير.

*** كيف يكون الوضع عندنا ان تفاقمت الامور المالية اكثر،خاصة ان كل المؤشرات تؤكد ذلك؟! وماذا ستفعل اذا امتنع الناس عن دفع مستحقات الماء والكهرباء.وماذا ستفعل ان عجز المواطنون عن تدفئة اطفالهم،وتأمين قوتهم؟! ايها القابضون على زمام الامور والقابضون على اعناقنا انظروا للواقع بواقعية لابميزان الربح والخسارة،ولابتعليمات البنك الدولي...انظروا الينا بنظرة انسانية صرفة،لابنظرة فوقية خالصة.الستم الحكام ونحن المحكومون؟!.الستم الرعاة ونحن الرعية؟! الستم السادة ونحن ال....؟!.

*** لقد جربتم فينا كل النظريات الاقتصادية،والخطط المالية،وجربتم فينا شتى انواع الضرائب.استوردتم الخبراء من كل بقاع الارض برواتب فلكية،وطبقتم وصفات البنك الدولي..لكن كل ذلك لم ينفع حتى دفعتونا لادنى درجات المهانة ولم يبق امامنا ـ والله ـ الا التسول لولا عزة النفس والتعفف عن مد اليد. وللاسف لم يعد متسع للمتسولين في شوراعنا فقد ضاقت بهم الارصفة.

*** فكرة رائدة ملخصها،لتدفع الحكومة فواتير الماء والكهرباء لمدة ثلاثة اشهر،ولتدفع قسطاً فصلياً عن كل طالب جامعي،بهذا تكون الحكومة قد انجزت اهم مهماتها وخففت العبء الاقتصادي عن المواطنيين وقدمت الدعم الاهم لمستحقيه الحقيقيين في طول البلاد وعرضها من العقبة حتى عقربا. واسمحوا لنا ان نصارحكم:لقد جربتم وصفات البنك الدولي،ووصفات الخبراء الاقتصاديين،وجربتم وصفات وزارء المالية والتخطيط وكلها فشلت...نرجوكم جربوا هذه الوصفة الشعبية،فإن لم تنجح اعتبروها رياضة صباحية على طريقة الديك الذي فقد فحولته ولياقته.