عدنا إلى السكة .. لجنة ملكية للنزاهة الوطنية

لم يفوت جلالة الملك مناسبة احتفال العالم باليوم العالمي لمكافحة الفساد فكان ان اشركنا في ذلك ويأتي تشكيل اللجنة وغاياتها وما ستفضي اليه من ميثاق يقر بمؤتمر وطني ليعيد إلى الذهن العمل المميز الذي جرى انجازه في مطلع التسعينيات من القرن الماضي وهو الميثاق الوطني الذي كان له ما كان من دور وأهمية في اعادة انتاج واقع أردني توافقي على أبرز القضايا الوطنية..
اليوم نحن أمام استحقاق آخر، أراد الملك أن يبدأ به من خلال تشكيل اللجنة الملكية للنزاهة الوطنية والتي سيكون لها ما بعدها من خطوات هامة على صعيد النزاهة الوطنية وما تعنيه للجميع بعدما اصبحت الحاجة لذلك هامة وضرورية..
اللجنة ذات الأسماء المحترمة ليست غاية وانما محرك لجسم وطني كبير فيه مؤسسات المجتمع المدني والأحزاب والنقابات والقوى السياسية على اختلافها، ومهمة اللجنة التشاور والحوار وتسجيل الخلاصات من جملة الأفكار المستقاة من المواطنين وذوي الخبرة..
ورغم تعدد المحاولات السابقة واللجان والهيئات والتشكيلات الرسمية وشبه الرسمية إلا أننا بقينا ندور في حلقة مفرغة لم تلتقط ما أراد الملك أن تلتقطه هذه اللجنة التي جاءت قليلة العدد حتى تستطيع أن تنجز وتتوافق وتقطر معها آراء عديدة قائمة في شرائح متعددة وواسعة..
نعم نحن أشد ما نكون حاجة إلى منظومة للنزاهة الوطنية فإن قامت وانجزت نكون كمن اكتشف قاعدة «ارخميدس» أو عثر على «حجر الفلاسفة» بعدما تزايد اللغط وكثرت الاجتهادات وعمت الشائعات وارتجل من ارتجل وجرى ممارسة الاتهامية باسم النزاهة والعدل في حين ظلت الأهداف المطلوب تصويبها بعيدة عن الاصلاح..
ما دعا له جلالة الملك وشكل من أجله اللجنة وان بدا اقتصادياً في مظهره إلا انه سياسي في عمقه ودلالاته وكل الأمل أن تُحمى قرارات اللجنة وأن توضع موضع الممارسة والعمل لأن فيها دواء لأكثر من داء وحتى لا يتكرر ما حدث مع قرارات لجنة الحوار الوطني أو حتى الأجندة الوطنية او غيرها مما ظل رهين الادراج وقد عدنا من بعده وكأننا نعاود اكتشاف العجلة..
اللجنة الملكية العتيدة هذه منوط بها الآن صياغة ميثاق يتضمن المبادئ الأساسية والمعايير الأخلاقية والمهنية الناظمة للعمل في القطاعين العام والخاص بما يضمن تعزيز منظومة النزاهة والشفافية والمساءلة وسيادة القانون وتلك ابعاد اقتصادية بحاجة إلى إعادة نظر في معطياتها وقوانينها واجراءاتها ولوائحها وحتى الاجتهاد فيها إلى جانب الدعوة الملكية الواضحة وفي نفس السياق إلى ضرورة أن يفتح الميثاق المطلوب صياغته الباب ومن خلال مسودات قوانين تصبح قوانين نافذة بعد اقرارها في البرلمان القادم لتحقيق العدالة وتكافؤ الفرص ومحاربة ظاهرة الواسطة والمحسوبية..
لقد اعترى الجسم الوطني الأردني نتوءات واعراض سلبية خطرة نخرت فيه وسببت الكثير من الخسران على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والسياسي حين ظلت الظواهر التي جاءت اللجنة لمعالجتها ظواهر سارية بحكم عدم التصدي لها أو التواطئ عليها..
جلالة الملك الذي اقترح اللجنة ودعا لتشكيلها ووجه لاهدافها يراها استكمالاً لخطى الاصلاح وبناء عليه فالمسيرة الاصلاحية لا تتوقف اذ أن هناك مساحات من الخلل لا بد من سدها واصلاحها وهناك أولويات لا بد من تداركها..ولعل دعوة اللجنة لصياغة ميثاق واقراره من خلال مؤتمر وطني عريض يمثل كل ألوان الطيف السياسي والاجتماعي فيه من الشراكة والتحصين والتوافق ما يبرر عمل اللجنة..
لقد تراجعت ثقة المواطن بكثير من المؤسسات وقصّرت بعض التشريعات النافذة والممارسة والمعمول بها في انصافه وفي تأكيد العدالة وتكافؤ الفرص وبالتالي في ترسيخ الوحدة الوطنية وتأكيد دولة القانون ولذا اقتضى الدخول الى هذه المرحلة لاضافة المزيد من الخطوات إلى مسيرة الاصلاح المأمول بها أن تنقذ الجهود الوطنية وتعظمها وتضعها على الطريق الصحيح..
نعم ما زلنا بحاجة الى مصدات أقوى ودواء أفعل ووسائل أنجح من أجل المسائلة ومكافحة الفساد..فهل بدأنا ؟ وهل هذه اللجنة بداية المشوار ووضع الأقدام على السكة؟..