ماذا يريد الشعب؟
القلة من مطلقي الشعارات الرنانة يرفعون أصواتهم باسم الشعب دون أي تفويض ، فهم يفترضون معرفة ما يريده الشعب وينطلقون باسمه بعد الكليشيه الشائعة (الشعب يريد) ، ويطربهم أن تصف بعض المواقع الإلكترونية شعاراتهم بارتفاع السقف مع أن بعضها يصل درجة الانفلات والاعتداء على الذوق العام.
جاء الوقت ليراجع هؤلاء أنفسهم لمعرفة ما يريده الشعب فعلاً ، وعليهم أن يتساءلوا عن أسباب انفضاض الناس من حولهم ، فإذا دعوا إلى مسيرة بخمسين ألفاً حضر ُخمس هذا العدد ، إذا استثنينا ممثلي وسائل الإعلام الذين لا يفوتون هذه الفرص للتصوير والبحث عن نبأ عاجل.
قالوا باسم الشعب بمقاطعة الانتخابات البرلمانية لأن قانون الانتخاب لم يأت ِ على مقاسهم ، فكانت النتيجة أن سارع أكثر من مليوني ناخب إلى التسجيل ، بعضهم ما كان ليأتي لولا الرغبة في التعبير عن رفضهم للمقاطعة التي تستحق الإفشال.
وقالوا أن الشعب يريد إسقاط قرار الحكومة بتحويل الدعم الشامل للمحروقات إلى دعم نقدي للمستحقين ، فكانت النتيجة أن وقف الناس طوابير أمام نماذج طلبات الدعم تأكيدأً لقبولهم بالقرار.
ودعوا للاعتصام والتظاهر ضد رفع الأسعار فكانت النتيجة أن عدداً من أصحاب السوابق والزعران تحركوا تحت غطاء المسيرة للتكسير والتدمير وحرق الممتلكات وسرقة السيارات ونهب البنوك والاعتداء على رجال الأمن.
ورفع البعض أصواتهم بشعار (الشعب يريد إسقاط النظام) فقام المواطنون بالتصدي لهم وإسقاطهم.
ودعت نقابة المعلمين إلى الإضراب الشامل وإغلاق المدارس في وجه أكثر من مليون طالب ، فكانت النتيجة عدم الالتزام بالإضراب واستمرار الدراسة في معظم المدارس ، أما النقابة نفسها فقد كسبت غضب الشعب وخيبة أمل الذين أيدوا إنشاء النقابة لتكون مؤسسة مهنية لا مطية سياسية لأصحاب أجندات خاصة.
هل يكفي كل هذا لاقناع أصحاب الحراكات التي تحولت إلى روتين ممل بأنهم لم يخرجوا من هامش الأحداث ، ولم يعبروا عن إرادة الشعب ، الذي انحاز إلى الدولة والنظام والأمن والاستقرار.
إبداء الرأي حق كفله الدستور شريطة احترام الرأي الآخر الذي أيد الإصلاحات الدستورية ، ورضي بقانون انتخاب بصوتين ، وتفهم ضرورة الإصلاحات المالية مهما كانت صعبة.
الشعب الأردني يعرف ما فعله الإخوان والحراكات في مصر وليبيا واليمن وأخيراً سوريا ، ولا يريد لبلده مصيراً كهذا.