هدفان فلسطينيان في المرمى الإسرائيلي
الصورة تختصر ألف كلمة،ويمكن التمعن بمشهدين،افرزتهما تطورات الصراع الفلسطيني الاسرائيلي مؤخرا، الاول صورة الثلاثي الاسرائيلي « نتنياهو، باراك وليبرمان» خلال المؤتمر الصحفي الذي عقدوه فور اعلان اتفاق التهدئة، بعد العدوان الاخير على غزة،كانت وجوههم عابسة مكفهرة،معالم الانكسار تبدو واضحة ،وبدا الفشل واضحا في تحقيق الاهداف المعلنة للعدوان، والامر المهم هو الصمود البطولي لشعب غزة المحاصر، والاختراق النوعي الذي حققته المقاومة لنظرية الامن الاسرائيلي ،اذ لأول مرة تصل صواريخ فلسطينية ، الى تل ابيب والقدس ، رغم تواضعها مقارنة مع القوة العسكرية الاسرائيلية الهائلة،لكنها احدثت حالة من الفزع في المجتمع الاسرائيلي ،وأشعرتهم بان أمنهم مهدد، طالما بقيت اسرائيل تنتهك أمن الشعب الفلسطيني ،وتمارس بحقه أبشع سياسات التمييز العنصري والاضطهاد والاقصاء.
حصيلة العدوان كانت ارتكاب اسرائيل المجازر وقتل وجرح اعداد كبيرة من المدنيين، وتدمير عشوائي للمنشآت والمساكن على رؤوس من فيها ! اما حركة حماس فحققت مكسبا سياسيا ،من خلال اتفاق الهدنة الذي رعته مصر، وشاركت في دعمه سياسيا العديد من الدول مثل الولايات المتحدة وتركيا،بالاضافة الى زخم دبلوماسي تجسد في زيارات سريعة للقطاع ، قام بها مسؤولون ووزراء خارجية عرب واجانب خلال العدوان وبعده،ومن أهم نتائج العدوان،فتح الابواب مجددا لاستئناف جهود المصالحة الفلسطينية.
والصورة الاخرى،كانت في نيويورك،يوم الخميس الماضي»29 نوفمبر» عندما حقق الشعب الفلسطيني نصرا دبلوماسيا كبيرا،بتصويت الجمعية العامة ،لصالح الاعتراف بفلسطين» دولة مراقب غير عضو في الامم المتحدة» باغلبية كبيرة: 138 صوتا مقابل 9 اصوات ضد ،و14 دولة امتنعت عن التصويت،حدث ذلك رغم الضغوط الهائلة، التي مارستها واشنطن وتل ابيب على دول العالم لرفض التصويت لصالح هذا القرار ،بل وتهديد الفلسطينيين بقطع المساعدات وعائدات الضرائب ، وبدت واشنطن في موقع العدو الحقيقي للشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة، ورغم حجم الضغوط لم تستطع واشنطن وتل ابيب حشد غير سبعة اصوات بالاضافة الى صوتيهما ضد القرار ، اما السبعة فبعضها دول هامشية لم يسمع بها أحد ، وكانت صورة المندوب الاسرائيلي والمندوبة الاميركية لدى الامم المتحدة ، بعد اعلان نتائج التصويت كافية للدلالة على حجم الهزيمة والعزلة الدبلوماسية !
وكما شكلت نتائج العدوان على غزة، عاملا قويا لدفع جهود المصالحة الفلسطينية،فان النصر الدبلوماسي في الامم المتحدة، يشكل عنصرا مكملا لذلك،وقد اصبحت الاستجابة لهذا الاستحقاق الوطني وبسرعة ، مسؤولية تاريخية على القيادة الفلسطينية في غزة والضفة،ولم يعد ثمة اي مبرر للتهرب والمماطلة.
قد لا يتغير شيء على أرض الواقع في حياة الفلسطينيين، بعد قرار الجمعية العامة، وستمعن اسرائيل في سياساتها العنصرية ،وكان أول رد فعلها قرار باقامة 3 آلاف وحدة استيطانية ، لكن الانتصار الدبلوماسي في الامم المتحدة ، يشكل رافعة معنوية وسياسية لتعزيز النضال الفلسطيني، باتجاه اقامة الدولة فعليا على الارض،وادانة قوية للسياسة الاميركية،ولبريطانيا التي تتحمل مسؤولية تاريخية في تسليم فلسطين للحركة الصهيونية ،من خلال وعد بلفور ثم الانتداب،وكان أمامها فرصة للتكفير عن ذنبها، والتصويت بنعم لصالح الدولة الفلسطينية ، لكنها أصرت على ان تبقى ذيلا لواشنطن،وخالفت مواقف الكثير من الدول الاوروبية التي أيدت طلب فلسطين ! والاختبار الحقيقي للرئيس عباس هو استخدام هذا الانجاز لمحاكمة اسرائيل على جرائمها امام المحكمة الجنائية الدولية .
عملية التصويت في الجمعية العامة،تشكل مجددا ادانة ل « ديكتاتورية «مجلس الامن،الذي يسيطر عليه الكبار ويحتكرون حق النقض»الفيتو»، وقد حاولت تلك القوى وخاصة الولايات المتحدة، تسويق كذبة اسمها» المجتمع الدولي» للدلالة على القرارات التي يتخذها مجلس الامن مستخدما المعايير المزدوجة، وغالبا ما تستهدف الدول الضعيفة،واكبر نموذج على ذلك الحصانة التي يوفرها الفيتو الاميركي ،لاحباط اي قرار يدين اسرائيل وجرائمها وينتصر لحقوق الشعب الفلسطيني ،ولذلك كانت القرارات الاممية التي تؤيد الفلسطينيين، هي التي تصدر عن الجمعية العامة التي لا تخضع لارهاب الفيتو الاميركي!"