ما بين لباس الفكر ولباس الجسد

م. عبدالرحمن

منذ مالايقل عن ستة شهور خرجت علينا مجموعة من طالبات الجامعة الأردنية بمقطع فيديو مسجل لا يتجاوز في مدته 3 دقائق يهاجم ظاهرة التحرش والمعاكسات في الجامعة، وكان بإدارة عميدة كلية اللغات الأجنبية "سابقاً" في الجامعة الأردنية الدكتورة رولا قواس، والتي يبدو بأنها دفعت موقعها ثمناً لإنتاج مثل هذا المقطع، برغم نفي إدارة الجامعة الأردنية ذلك، وتأكيدها مراراً وتكراراً على أن قرار إعفائها من موقعها لم يكن متعلقاً بالأمر بتاتاً.

في المقابل وبعد كل هذه الشهور خرج الداعية المعروف ودكتور الشريعة في الجامعة الأردنية أمجد قورشة، داعياً إلى ما أسماها "وقفة لدعم العفة"، ناقداً ذلك المقطع، وطريقة الطرح المبتذلة والغير مقبولة دينياً، ولا حتى أخلاقياً التي تضمنها.

ونحن هنا لسنا بصدد الدفاع لا عن الدكتورة قواس، ولا عن الدكتور قورشة، وإنما لنقاش المشكلة بهدوء، بعيداً عن أي تشنجات، أو تشعبات يضيع معها صلب الموضوع.

نتفق مع كليهما، كما نختلف مع كليهما أيضاً، وليس هناك غريب في الأمر، فنحن نتفق مع الدكتورة قواس في نيتها الصادقة، وحرصها على بنات مجتمعها، ومحاربة ظاهرة أصبحت تقض مضاجع الكثيرات منهن ليل نهار، ولكننا نختلف تماماً معها بطريقة الطرح التي ظهرت عليها الفتيات في الفيديو، والتي تنافي جميع عاداتنا وتقاليدنا، فالخطأ لا يعالج بخطأ مثله، وإنما بتسليط الضوء عليه بطريقة يتقبلها الآخرون، ولا ينفرون منها كما حدث مع كثير ممن شاهدوا المقطع.

كما نتفق مع الدكتور قورشة في ضرورة المحافظة على العفة في مجتمعنا، وبأن هناك أكثر من وسيلة أخرى مقبولة لدى المجتمع لطرح المشكلة، ولكننا نختلف معه في عدم أخذ حسن النية في الدكتورة قواس، وإن جانبها التوفيق في طريقة الطرح.

نعم المشكلة موجودة في بلادنا للأسف، ولا ينكرها إلا من أراد أن يخبأ رأسه في الرمال لكي لا يرى الحقائق، بل وتعدت إلى تحرش الفتيات بالذكور، وليس فقط الذكور بالفتيات، وهناك الكثيرون ممن يربطون الأمر باللباس والإحتشام، والسؤال هنا: إذا كان كذلك فلماذا توجد واحدة من أعلى نسب التحرش في دولة إسلامية مثل إيران، وهي دولة تفرض الحجاب على النساء !!

ثم لماذا يوجد التحرش والمعاكسات في بلد مثل المملكة العربية السعودية، وهي دولة تفرض الحجاب على النساء فيها أيضاً !!

وإذا كان الأمر متعلق باللباس فعلاً فلماذا لا توجد أكبر نسبة للتحرش في بلاد أوروبية، أو أمريكا مثلاً، مادامت لا تفرض أي قيود على لباس النساء فيها !!

إذن لنتفق بأن المشكلة تكمن بالدرجة الأولى في لباس العقول، وما تحتويه من ثقافة وأفكار، مع عدم إغفال أهمية عامل لباس الجسد من ضرورة الإحتشام والتعفف من الطرفين، إناثاً أو ذكوراً للتقليل من هذه الظاهرة، حيث أن طريقة اللباس في بعض الأحيان تكون عاملاً مساعداً لحدوث التحرش بالتأكيد، ولكنها ليست جوهر المشكلة، وإذا ما أردنا علاج المشكلة فعلينا بداية العلاج من جوهرها لا من قشورها.

اليوم نحن بأمس الحاجة لثورة مجتمعية حقيقة، ثورة على تلك الأفكار السقيمة التي أفقدتنا إحترامنا للآخرين وجعلت من البعض يخرج للشارع العام لإصطياد بنات مجتمعه، ويفاخر بهذا بكل صفاقة، بل ووصل البعض للأسف للمستوى الذي يجعله لو رأى إعتداء مجموعة على فتاة في الشارع لا يتدخل بحجة أن لا يأتي لنفسه بوجع للرأس !!!

فهل يليق هذا بمجتمعنا المعروف بشهامته وغيرته، وهل يجوز السكوت عن من يحاولون الإساءة لمثل هذه الصورة بيننا أياً كان دينه أو جنسه؟

نحتاج لنعيد تلك المعاني الجميلة التي نؤكد من خلالها على أن مجتمعنا مجتمع واحد، لا يقبل أن يكون بين ظهرانيه من يسئ له، ولسمعته، ولصورته البهية.

فما نحتاجه هو البدء في معالجة بعض العقول المريضة التي عطلت إنسانيتها، وغلبت الجانب الحيواني على الإنساني فيها، وذلك بحملات توعوية مكثفة عبر جميع الوسائل الإعلامية، هذا بالتوازي مع التخلص من بعض القوانين التي ساعدت على زيادة الإعتداءات على الإناث في مجتمعنا، مثل المادة 308 من قانون العقوبات، والتي توجب تزويج المعتدي ممن يعتدي عليها!!، وهو القانون الذي يكافئ المعتدي، ويجهز على ما تبقى من حياة لدى الضحية، إضافة لحاجتنا إيجاد قوانين رادعة تجرم التحرش، وتشهر بفاعله ذكراً كان، أو أنثى، عبر الصحف والجرائد، عندها لن نجد متحرشاً ولا متحرشة يجرأون على رفع رؤوسهم بالشارع العام، وليتنا نتذكر دائماً بأن حدود حريتنا تنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين، ورحم الله من أهدت الأبيات التالية لشاب عاكسها يوماً، والتي أختم بها "بتصرف"، مهدياً إياها لكل من يقوم بالتحرش والمعاكسة ذكراً كان أو أنثى:

أيها الشاب النبيل تنحى، إن مازالت فيك نخوة عربية، سألتك إن بقيت فيك ذرة كرامة، دعني أمر ولا تكثر عليا، لدي محاضرة أو موعد أم أبي ينتظرني، أنت لا يعنيك بما لديا، لو كنت تراني أميرة في نظرك، فدعني أراك فارساً عربياً، دعني أصدق أن الرجولة مازالت في شبابنا، أنا كأُختك، ولا أظنك ترتضي لأُختك هذا أم أنها هي محرمة، وأنا مسموحة شرعية، أم أنها عذراء ومقدسة بالنسبة لك، وأنا لست مثلها صبية، صعد العالم إلى القمر، وما زلنا نقزم فكرنا بالتفاهات العاطفية، وما زال أقصى ما يصل إليه فكرنا، كيف نعاكس تلك الصبية،

وماذا نقول، وكيف نقول، وأي قناع نلبس وأي شخصية، تنحى حضرة المحترم، فلا ترضى إمرأة كريمة أن ترى هكذا، ولا أَظن أن رجلاً كريماً يرتضي لي نظرة دونية، فإحفظ ماء وجهك وتوكل على الله، فإن كانت أوقاتك لهو وعبث، فأوقاتي يا سيدي ذهبية !!