حكمة أبوعويمر

بقلم : أحمد نضال عوّاد


عاد عقلة من مدرسته البعيدة كباقي الأيام ، ولكنّ الوضع كان مختلفا عمّا يراه في العادة ، فقد رأى حيّة " راسها كبير " تشرب من ماء وضع في حقلهم ، و كان في الحقل مزرعة للدّجاج يمدّهم بالرّاحة والأمان ، حيث مصدر عيشهم ورزقهم المقدّر من عند ربّ السّماء .

من الطبيعي في هذه الحالة أن يحتوي الحقل على مستودع لحفظ الأعلاف ، ولكنّ ثمّة فئران في الحقل يتسلّلون إلى ذات المستودع ليعبثوا بما ليس لهم حقّ فيه ، وليخرّبوا ما يتوّجب المحافظة عليه ، فيفسدوا مأوى غيرهم ، ويستبيحوا ما حرّم عليهم على مدى الدّهر والسّنين .

على مقربة من عقلة كان يجلس" الحج أبوعويمير " ؛ الذّي عاش حياة طويلة مليئة بالمشاقّ والصّعاب ، وتحدّى ظروفا عصيبة مرّ بها في الحياة ، فقال أبوعويمر : " شو مالك " يا ولدي ؟ ألا يفترض بك الرّشاد والعقل السّديد ، فلماذا تحمل هذه العصا وتخرج من البيت مسرعا كالمجنون ؟ فقال عقلة على عجل : إنّ أفعى كبيرة يا والدي رأيتها تشرب من الماء ، ويجب عليّ الخلاص منها في أسرع وقت ، ولهذا أحمل هذه العصا القوية التي سأحصل بها على ما أريد ، وأحقق بها ذاتي ، وأفعل حلمي بقتلها وأمثالها ، كيف سمحت لنفسها القدوم إلى حقلنا والعبث بممتلكاتنا ؟!

صمت أبوعويمر لبرهة ، وهو يهزّ رأسه ، وكأنّه يريد أن يقول شيئا مجلجلا لولده ، فقال : يا بني ، أتركها وشأنها ، إنّها جارتنا منذ القدم ، ولو كنت تدرك ما تفعله لنا ، لبحثت عنها وقدّمت لها الماء والشّراب شكرا وعرفانا لصنيعها ومعروفها .

في لحظة استغراب وذهول ، شعر عقلة بأنّ هناك مغزى مما يريد والده ، فقال : يا أبي ، إنّها أفعى كبيرة ، تشرب الماء،ولربما تتسبب بالأذى لنا على مرّ الزّمان!

أبوعويمر يبتسم في هذه اللحظات ويقول : يا بني ، افهم ما أريد أن أقول ، لن تؤذينا هذه الأفعى ، وبنفس الوقت تحمينا ، فلتشرب الماء ولنقدّم لها أيضا الطّعام ، أرأيت الأطنان من الأعلاف التي توجد في مستودعنا ، ماذا سيحصل لها إذا لم تأكل الأفعى تلك الجرذان الهائمة الشّاردة ، والتي تستفحل عندما يغيب الرّقيب ، والتي تبتعد عن الحقّ عند فقدان الحسيب .

تأتي بلقيس صاحبة الحكمة ، لتقول : يا عويمر ، ما يريد أن يقوله والدي مفاده " عدوّ عدوّك صديقك " ، فكن صديقا مع الجميع ، وابحث عن عدوّك الحقيقي ، واقض عليه ، حتى لو استعنت بآخر لا ترغبه ، فبما أنّه يحقّق لك ما تصبو إليه ، لا ريب في قليل من التّعاون بينكما .

يأتي عقلة الآن ، ويبتسم بفخر لما سمع من كلمات تعيد ترتيب أفكاره ، وتعمل على صياغة حساباته ، لينتقل ويقول : كلّ يفكّر من زاوية محددة ، فليست السّلبية بموجودة ، فلنحوّلها إلى إيجابية محمودة .

ويأتي حكيما ناصحا الجميع ويقول : عندما سئلت نملة عن الأسد كانت تقول بأنّ الأسد حيوان لطيف ، أحتمي عند أذنيه وهو لا يكترث بوجودي ، ولا يقوم بإيذائي وإزعاجي . وبالمقابل عندما تمّ سؤالها عن الدّجاجة ذمّتها واحتقرتها وقالت عنها حيوان مفترس يسعى إلى نشر الرّعب والذّعر في حقول النّمل الضّعيف ، فهو بائس لا يقوى أن يدافع عن نفسه أمام الدّجاج المتبختر .

فانظر أيّها القارئ إلى الحياة من وجهة نظرك الإيجابية لمجمل الأحداث والوقائع ، ولا تنظر بما يريد الآخرين أن تنظر إليه ، فأنت من تقود نفسك إلى ما تريد ، ولا سلبية فكلّ الأمور إيجابية ، ولكنّها بحاجة إلى تدبّر وتفكير .