"الريِّس حمدين"

هو ابن"عبد العاطي عبد المقصود"، وبذلك لا بدَّ أنْ يكونَ فلاَّحاً، ووالدُهُ رجُلٌ بسيطٌ يُحِبُّ "الأرْضَ والسماءَ وجمالَ عبد الناصر"، ولذلك خرَجَ مع الجموعِ الغفيرَةِ يومي 9 و10 حزيران (يونيو) ليَهتف: "لا تتنحَّى"، ويُعيدُ الهتافَ على ولَدِهِ طالب الإعداديَّةِ مرَّتَيْن، ويُعطي دروساً مبسَّطَةً في القومية قبلَ المصروفِ اليوميِّ لطالِبٍ في كليَّةِ الإعلامِ بجامِعَةِ القاهرة. سيخرجُ الطالبُ متظاهراً في ثورة "الجياع، ويُناظِرُ "السادات" بصَوْتٍ عالٍ، ويقولُ كلمَتَه الحادة كـ"الكرامة"، ويصبحُ متحدِّثاً باسم "الغلابة"، ورئيساً مُرْتَقَباً وشهرتُهُ "حمدين صباحي"!سيكونُ زميل "محمد حسنين هيكل" في "العَنْبرْ"، وأصغر مُعْتَقَلٍ سياسيٍّ يقولُ لـ"السادات" بدون ارتجافٍ: "لا"، وسيُكرِّرُها على مسمع "مبارك" ثلاثين عاماً، السنة فيها بتسعين شهرا، ويهتفُ بـ"البلدي" مع الفلاَّحين الذين حرَّرَهم "عبد الناصر"، وجعلهم ملاَّكاً، وأرادَ "الحزب الوطني" أنْ يعيدهم عبيداً ومسخّرين. قاد "حمدين"، الشابُ النحيلُ المولودُ فلاحا مُعْدَماً فقيراً في "بلطيم"، المظاهرات بصوته المرتفع الحادِّ الذي لا ينزل إلى درجة الهمس، ولا يقبل المناورَةَ، فكلَّفَهُ ذلك أنْ يصبحَ نزيلاً دائماً في المعتقلات حتى حين يشتعلُ الرأس هماً ويصبح نائبا في البرلمان، فلا يخرج من "المعتقل" إلا ليرابطَ في "الشارع" بين الناس و"واحد منِّنا"!وظلَّ ماشياً من ميدانٍ إلى آخرَ، وبأثره، وبفارق متر واحد أو أقل، يمشي أحد "الإخوان" ليثبِّتَ له "المايك"..؛ لم يسترح في مكتبٍ ليفاوِضَ على الهاتفِ بصوتٍ هامسٍ، ولم يخرج في الصحف "القومية" ليقولَ باسماً: "مبارك ده والدنا كلنا"، لم يرفع "الراية البيضا" كـ"سلام مؤقت" وما كان "خير الماكرين"..؛ ظلَّ ماشيا ومعه أربعون وأربعون وأربعون ممَّنْ يشبهونَهُ تماماً "خالق وناطق" على قلب واحد: "ارحل يعني امشي"، ورحَلَ "فرعون" إلى مصيره الأسود، وظلَّ "حمدين" يمشي إلى أسطورته "ريِّسا" مجرَّدا من الحزب والجماعة، ينتخبه كلُّ الناس الذين لا يقايضونَ "الحرية والعدالة" بـ"الزيت والسكر"!وعاد "فرعون" من جديد، وكأنَّ "مبارك" نبتت له "دقن"، وصارَ طيِّباً مواظباً على صلاة الجمعة، ويتقنُ البكاءَ إذا كانت زاوية "الكاميرا" ملائمَةً لتضخيم الورَع إلى "أخشع" درجاته. وصدَّقَ بعض الناس "الإمام" الذي يحكم لينامَ آمناً، وكذَّبَ بعض الناس "الصديق الحميم لبيريز" الذي يأمل لـ"دولة إسرائيل" ما يتمنَّاه للجزائر مثلاً: "الرخاءَ والنموَّ والتطوّرَ". أما بعضُ الناس فهم لا يصدقونه حتى يأذن بذلك "مكتب الإرشاد"، ويقول "المرشد" ما يستجوب "السمع والطاعة"!جاءت الأخبار إذن من جديد إلى "المتنبي" أنَّ "كافور" قد فكَّكَ الدستورَ والأهرامَ، وأرادَ تحويل مجرى "النيل"، وسقطتْ مصر مجدَّداً في يد قروي "هو فاروق شهوة وغرورا، والخديوي تسلطا وانتقاما"، و"السادات" جنونا في العظمة، و"مبارك" بلادةً وإصراراً على دخول "الغيبوبةِ السياسيَّةِ"، حتى يفيقَ من "الاتحاديَّةِ" على هدير "التحرير": "ارحل يعني امشي انتَ ايه ما بتفهمشي"!و"حمدين الريِّس" الآنَ واقفٌ في ميدان التحرير، يصوِّتُ له الناس بأصواتهم المنطوقَةِ، لا المكتوبَةِ بـ"السمنة"، يقولُ فيما يقولُ إنَّ الثورَةَ مستمرَّةٌ استمرارَ جريانِ الماءِ في النَّهرِ، وراسخةٌ كالأهرامِ الثلاثة..؛ فمَنْ يجرؤ على إيقافِ "النيل، و"مَنْ قالَ إنَّ الهَرَمَ الرابعَ قد مات"!nader.rantisi@alghad.jo