(زمزم) خط المواجهة بين الإخوان والإخوان

مبادرة زمزم التي أطلقتها مجموعة من قيادات الإخوان المسلمين التي تم إقصاؤها عن المقاعد الأولى في جماعة الإخوان المسلمين عبر انتخابات داخلية تظهر بوضوح حجم الهوة الفاصلة بين التكتلات داخل الجماعة، فقد تحولت هذه المبادرة من مبادرة (وطنية) كما يحب مطلقوها الإشارة إليها إلى خطة مواجهة ونيران بين أطراف متجاذبة داخل الجماعة.
يبدو أن التيار الذي يمثله كل من الدكتور رحيل الغرايبة والدكتور نبيل الكوفحي والشيخ سالم الفلاحات والذي تقاطع لفترة لا بأس بها مع التيار الذي يمثله زكي بني إرشيد وهمام سعيد، وقدموا له الأساس التنظيري اللازم، لم يستطع الاستمرار باللعبة إلى نهايتها، في ظل عنت واضح من تيار بني إرشيد، وعن رغبة مكتب الإرشاد تغيير الحقائق الإخوانية على الأرض بحكم تقاطع همام سعيد وزكي بني إرشيد مع التيار الإخواني الحاكم في مصر، فكلاهما أبناء التيار القطبي داخل الجماعة، وبالتالي فاستخدام المال السياسي في الانتخابات الأخيرة داخل جماعة الإخوان المسلمين لن يبت فيها قريباً، أو ستتم تبرئة المتهمين جميعهم.
الملفت للنظر أن الشيخ سالم الفلاحات كان قد ترأس مبادرة إخوانية وهي المجلس الأعلى للإصلاح، وحاول من خلال هذا الجسم الجديد وموقعه الرئيس فيه أن يكون له دور جديد وقوي في المشهد السياسي وفي الملعب الإخواني، ولكن ظهر له سريعاً أن المجلس الأعلى للإصلاح لم يكن سوى لعبة لتلهيته، وليست أداة سياسية حقيقية، فكانت الصدمة المزعجة للفلاحات اضطرته مع مجموعته الغرايبة والكوفحي إلى القيام بعمل يوتر الجماعة ويحتك بها ويخلق خط مواجهة غير منتظر أو متوقع.
وتذهب بعض المعلومات أن الغرايبة وعصبته كانوا قد خططوا تنفيذياً لهذه الخطوة (ووثيقة زمزم) بعد جمعة الفشل الإخواني في تجميع الحشود وسط العاصمة عمان، حيث رأت هذه المجموعة ان القيادات الإخوانية لا تريد قراءة المشهد بصورة صحيحة وتحاول تحويل الفشل السياسي إلى انتصارات وهمية، فبدأ التجهيز الهادئ لوثيقة زمزم، وحين تمت التوافقات وقبيل الإعلان عن الوثيقة تقدم الدكتور رحيل غرايبة باستقالته من منصبه كرئيس للمكتب السياسي في حزب جبهة العمل، كي يكون حراً تنظيمياً، ولحظة إعلان وثيقة زمزم أدركت قيادات الحزب الفخ الذي نصبه الغرايبة للحزب، فرفض الحزب الاستقالة وأبقى الغرايبة على رأس الدائرة السياسية.
محاولة مجموعة زمزم بإعطاء انطباع بأنهم ما زالوا ضمن البيت الإخواني وأن التنظيم الإخواني اضيق من الفكر الإخواني نفسه، تدخل في باب التحضير للمعركة القادمة بعد أن ظهرت بوادر الانقسام، خصوصاً وان قيادات إخوانية نافذة رأت بمبادرة زمزم محاولة للهجوم على الكيان الإخواني ومحاولة إضعاف الجماعة عبر إنقلاب من الداخل، ولكن تأجيل المعركة الكبرى بين الطرفين ترجع لأسباب بديهية وهي قياس كل طرف لقوة خصمه، فالجماعة تريد معرفة المدى الذي وصل إليه الانشقاقيون داخل التنظيم وقدرتهم على التحشيد من داخل الإخوان، وكذلك قدرة وثيقة زمزم على الصمود في حضن خارج الحضن الإخواني، وعلى الطرف الآخر يحاول الانشقاقيون معرفة مدى المفاجأة والتوتر الذي أحدثته الوثيقة، وبالتالي توقع السلوك من قبل الجماعة والقيادات، ويريدون التأكد من أن الوثيقة قادرة على الحياة خارج رحم الجماعة، ومدى إمكانية التعاطي معها رسمياً كبديل عن الطرح الإخواني.
ولكن إذا ما شعر الفريقان (الإخوان والمنشقون) أن الخسائر على كلا الطرفين ستكون كبيرة فكلاهما قادران على تحويل الوثيقة الزمزمية إلى مجرد بعض الورق والحبر المهدور أو في أحسن أحوالها مجرد ألعاب نارية تساعد كل طرف على إعادة التموضع، وتحويلها إلى اشتباك لتحسين العلاقات والمكاسب داخل الجماعة بدلاً من اطلاق نار ومواجهة بين الطرفين.