وطنية الوحدة هي الأهم

لو نشر الذي كتب وقيل عن الوحدة الوطنية الفلسطينية وضروراتها فقد يغطي مساحة الوطن الفلسطيني ويزيد عنه ، ومن يراجع الثورة الفلسطينية المعاصرة فلن يعجز أبدا في الإستدلال على هذه النتيجة ، فالوحدة الوطنية كانت ولا تزال عنوانا وهاجسا مؤرقا للمسار الوطني وبكل تفاصيله وجزئياته ، ولكن ، وبالرغم من وجود المؤسسات الضامنة لوحدة النضال ، إلا أن الذي كان يمارس على أرض الواقع ظل بعيدا عن ملامسة واقع وجوهر هذه الوحدة التي أراد لها البعض من المتنفذين أن تظل هشة وضعيفة وشكلية .
وبالبناء على ما سبق ، فإننا وبكل
 موضوعية نؤكد على أن ميزان هذه الوحدة لم ينجح في التوزين الدقيق والعادل لإحتياجاتها ، ولما كانت تقتضيه من رعاية وإهتمام ، وكل الدروس المستقاة من تجارب المجلس الوطني ، والمركزي ، وباقي مؤسسات منظمة التحرير وفصائلها تدلل وتشير إلى الضعف والإفتقار الممنهج والمقصود في ما يخص جوانب التطبيق والتفعيل لمبدأ الوحدة وعلى أصعدتها السياسية والوطنية والنضالية ، وصولا للجانب المالي الذي كان يشكل المقتل في التفريق بين أخوة ورفاق الطريق الواحد والقضية الواحدة ، فمن كان يملك المال ، كان يتحكم بكل الخيوط الآخرى . 
 
بالمقابل ، ظل الشعب الصابر والصامد وبكل شرائحه يتمنى رؤية هذه الوحدة ، وما كان يترك فرصة أو مناسبة تمر من دون التعبير عن رغبته في التوحد وعلى كل الصعد والمستويات ، هذا هو الموقف الذي كانت تدعو إليه أغلبية هذا الشعب بالرغم من أن البيت الفلسطيني الواحد ، وداخل الأسرة الواحدة ، كان أفرادها يتوزعون على كامل الطيف السياسي والتنظيمي الفلسطيني ، ويعيشون الخلافات والتباينات والوحدة تحت السقف الواحد الذي كان يغطيهم ويحميهم ، لكن الكثير من القيادات وللأسف الشديد كانت تستمتع بالإعاقة والتعطيل وتحت حجج وذرائع لا أساس لها ولا تأثير . 
 
وهكذا ، ظلت عملية الوحدة كالحاضر الغائب ، الكل يتغنى بها وينشد لها النشيد ، ولكن الجميع ظلوا بعيدين عن قطع المسافات المطلوبة للوصول إلى هدف وغايات هذه الوحدة ، فأين يكمن الخلل ؟ ولماذا ظلت الوحدة بمثابة الحلم الذي عجزت هذه الثورة عن تحويله إلى واقع مادي وملموس ؟ هذا هو السؤال الأبرز والأعقد الذي لا نزال نبحث له عن أجوبة ما دامت وحدة القوى والأطراف غائبة ومعطلة ومتروكة على رف الزمن حتى غطاها التراب من رأسها حتى ساسها . 
 
عدم الوصول إلى الإتفاق على وطنية هذه الوحدة هو الأمر الأهم ، وهو السبب الرئيسي الذي منع وأعاق وحتى اللحظة الراهنة عملية الوصول إليها ، وإمتلاكها ، وتفعيلها ، حتى تقوم بواجبها كأمضى وأقوى سلاح يمكن توظيفه وإستخدامه في مواجهة العدوالصهيوني الغاصب ، وعليه ، فبدون المواجهة المسؤولة والحريصة والصادقة مع وطنية هذه الوحدة فسنبقى ندور حول أنفسنا ما دام كل طرف يغني على ليلاه ، وعلى حصته من فلسطين ، ومن شهدائها ، ومن لحمها ودمها ، وكأن الهدف تحول إلى أهداف ، والطريق الواحد قد تشعب إلى دروب ومسالك قد تقودنا إلى أي شيء إلا إلي فلسطين التي نبكي على إغتصابها .
البرنامج الوطني التحرري القائم على كنس وإنهاء الإحتلال بكل السبل والطرق المشروعة وفي مقدمتها الكفاح المسلح ، أصبح في حكم الغائب والمفقود عند بعض الأطراف والفصائل ، والأداة الواحدة التي يجب أن تقود ، وتوجه ، وترعى تبعثرت وحل في مكانها أسلوب الهبش ، ومد اليد على ما تستطيع الوصول إليه ، وتعددت الرؤوس ، وتراجعت المؤسسات وأصابها الشلل والموت السريري بل إن بعضها قد دفن وواره التراب ، فكيف يمكن الحديث عن وحدة مكونات ما دامت صورة المشهد لا تبعث إلا على الحسرة والشفقة . 
 
الدكتور محمود الزهار القيادي في حركة حماس يقول : " نحن في غزة رأسنا ناشفة ، ولن نساوم ولن نهادن أحداً في الثوابت الوطنية ، وما عدا ذلك فهو قابل للنقاش والحوار، وأية محاولة لخلط الزفتة بالعسل لن ينتج عنه سوى دولة ــ عرة ــ وحسب المصطلح الشعبي المستخدم في قطاع غزة " ، وكان يقصد بهذه الأقوال التعليق على ما تقوم به سلطة رام الله من هرولة إلى الأمم المتحدة للحصول على دولة غير عضو ، بالرغم من اصرارها على التمسك بإتفاق أوسلو و التنسيق الأمني المذل مع العدو الصهيوني ، و بإبداء الإستعداد لقمع أية إنتفاضة إذا تفجرت على أرض الضفة .
الشاعر والروائي الفلسطيني إبراهيم نصر الله وفي رواية " زيتون الشوارع " يقول : " إن عدم الوفاء للشهداء هو بداية الهزيمة الحقيقية لأي أمة " ، وكل أطراف النضال الوطني الفلسطيني قدمت شهداء ، ولكن يبدو أن البعض لا يريد أن يكون وفيا لهم ، ولم يعد يحسب لهم أي حساب بعد أن قرر وإختار المضي قدما وراء سراب الحلول التي لن تحرر متر واحد من أرض فلسطين التي ضحى من أجلها الشهداء ومن أجلها سقطوا . 

ختاماً نقول ، أن المقاومة الموحدة إنتصرت في صد العدوان المجرم على قطاع غزة و أبهرت العالم بصمودها و بسالتها ، و بالمقابل ، حصلت سلطة رام الله ــ وليس فلسطين ــ على ما كانت تريده من الأمم المتحدة وأصبحت عضواً مراقباً في جمعيتها العامة ، و ها هي الأصوات من كل الأطراف تتعالى من جديد بضرورة تحقيق الوحدة ، و نبذ كل أشكال الإنقسام و الخلاف .
الأخبار تشير إلي أن إجتماعاً هاماً وعاجلاً بين كل القيادات قد يعقد لهذه الغاية في القاهرة ، و بالرغم من سلبيات التجربة السابقة والتاريخ ، فلا مانع علينا ابداً أن نتابع ونراقب ، لكننا نصر ، على أن هذه الوحدة لن تري النور مطلقاً حتى يتفق الجميع بصدق على ثوابت وطنيتها ، وهذا الإتفاق إن حصل فيجب أن يكتب بدم الشهداء إذا كنا لا نزال لهم أوفياء ، هذا ما تتمناه فلسطين و شعبها ، و هذا هو الأهم من كل العضويات و المقاعد .
د.امديرس القادري