الكهرباء والماء "الضربة القاضية" .. الحكومة تحفر قبرها بيدها وتلهب البلد وتؤجج الشارع
اخبار البلد : راتب عبابنة
يتردد بوسائل الإعلام خبر مفزع ومشؤوم مفاده تحرير أسعار الكهرباء والماء. والخبر يعود لتعهد الحكومة الرشيدة جدا لصندوق النقد الدولي برفع الدعم عن هاتين المادتين لتكملة شروط القرض المزمع الحصول عليه من الصندوق. كالعادة يتم تسريب مثل هذا الخبر الذي يحمل بمحتواه أحد أدوات الذبح المتعددة التي تلجأ لها الحكومات البائسة بقصد التمهيد لاتخاذ قرار رسمي بإصداره وتنفيذه. وذلك لمحاولة التخفيف من أثر ارتداد الصدمة الراجعة والتي يمكن أن تزيد من توتر وقلق الرسميين على أنفسهم. والإهتمام هنا من قبل الجهات الرسمية ينحصر بمدى الفائدة والنفع اللذان سيعودان على الدولة وليس على المواطن فيما إذا كان القرار مجحفا أو منصفا. ورفع الدعم يعني زيادة السعر بنسبة تفوق 100%.
وإن صحت هذه التسريبات, تكون الحكومة قد حفرت قبرها بيدها وألهبت البلد وأججت الشارع وجعلت الحراكات تتداعى للتلاقي لتحشد قواعدها للإنتفاض والإحتجاج وربما اللجوء للتخريب والتصادم مع الأمن والدرك. ومن تداعيات مثل هذا القرار هي المحاصرة الكاملة للناس الذين يؤمنون مسبقا أن الحكومات تعين وتقال لخراب بيوتهم وذبحهم واستنزاف ما بجيوبهم. عندها لك أن تتخيل ردة الفعل عند الناس المذبوحين مسبقا. فهل حكومتنا الرشيدة أخذت ذلك بالحسبان وهل لديها تصور لما يمكن أن تؤول إليه الأحوال من تداعيات مقلقة جدا جراء سياساتها المستهترة؟؟
هل دولة الرئيس الذي يكرر على مسمعنا أنه "متخصص ويعرف ما يصنعه وتقلد عدة وزارات ومناصب وهو ليس دخيل على الإدارة المالية والإقتصادية...."هل لديه تصور بخصوص ما ستؤول إليه نسبة المقترعين في الإنتخابات النيابية والتي يتفاخر الرسميون بارتفاع نسبة المسجلين لها؟؟ ومن سوء طالعنا أو سوء طالع الدولة أن الإنتخابات قرر لها أن تكون بوقت من أكثر الفترات الشتوية برودة وثلجا في الأردن مما سيدفع بالكثيرين لعدم الإهتمام وعدم الخروج للإقتراع.
هل بهذه القرارات والتوقيتات التي نظن أنها تستند على نوايا ليست بالحسنة, يتبقى للناخبين أية دوافع للذهاب لصناديق الإقتراع؟؟ أم أن الرغبة تكون قد قتلت وأن الإيمان بحق الإقتراع قد يكون تعرض للتنازل عنه؟؟ وإن اعتقد المعنيون أنهم نجحوا بتحريك الناس واستثارتهم للتسجيل, فهم بقرار رفع أسعار الكهرباء والماء سيقتلوا ما تبقى لدى الناخبين من روح الإندفاع للتصويت. وعندها تكون قد جنت على نفسها الحكومة بقراراتها التي وإن درست فهي تدرس للتأكد من مدى الضرر والأذى اللذان سيلحقان بالمواطنين.
ولا ننسى تزامن سريان قانون المطبوعات والنشر مع موعد الإنتخابات ورفع أسعار الكهرباء والماء. أضف لذلك تكالب المواقع الإلكترونية وما ستقوم به من الدفاع عن حقوقها وإبراز ما سيصيبها من حيف يقيد أداءها ويصعب عليها إيصال رسالتها مما يحد من حريتها التي هي المحور الذي تدور حوله الصحافة بشقيها الورقي والإلكتروني. ولا نشك أنها ستقوم بحملة منظمة تهدف استقطاب المثقفين وأصحاب الرأي والقراء وطلاب حرية الرأي والكلمة. وتزامن هذه الكوارث التي تخترعها الحكومات سيعمل حتما على زيادة الإحتقان الذي سيولد ضغطا يؤدي لتفجير كل ما من شأنه أن يجعل البلد في مهب الريح.
الحكمة باتت ضرورة ملحة لتستند عليها القرارات حتى نجنب الأردن ردات الفعل العنيفة المتوقعة التي برعت بخلقها الحكومات وتفردت بها عن كل حكومات العالم الثالث لشدة إجحافها ونيلها من الوطن والمواطن. نتمنى ألا تكون الحكومة جادة وعازمة على اتخاذ مثل هذه القرارات التي تزيد من الهيجان والإحتجاج وربما العصيان المدني الذي نراه ليس بعيدا في ظل هذه الظروف المتداعية والعائدة لاستهتار الحكومة بمشاعر الشعب وهي تدفع به نحو الثوران للمطالبة بثأره من صناع قرارت "مديري المزارع والأملاك الخاصة".
وهل تذكرون يا سادة وهو يتنقل من فضائية لأخرى كم كرر دولة الرئيس محاولا طمأنتنا ألا قرارات اقتصادية ستتخذ حتى نهاية العام الحالي؟؟ لقد سمعناه وشاهدناه وهو يحاول التهدئة وشرح دوافع القرار الذي أدى لما سمي بهبة تشرين وكان يشرح ويوضح بإسهاب ليتفهم الناس ما يقف خلف قرار رفع أسعار المحروقات وأكد أكثر من مرة عدم وجود نية لاتخاذ قرارات ذات صبغة اقتصادية. أفتونا بالله عليكم, هل نحن أمام علامة من علامات الساعة الصغرى ؟؟ إذ الكاذب مصدق والصادق مُحارَب والمنافق يحظى بالشعبية والثناء والرويبضة يتسيدون والشرفاء مبعدون والبرامكة والدخلاء يقربون من صناعة القرار وشعب يؤخذ بجريرة الفاسدين واللصوص ويجبر على تعويض لصوصيتهم.
هل هي لعنة حلت على الأردن لتتقلب على شعبه حكومات تتسابق لتسجل إجحاف وضرر بحق المواطن أفدح من سابقاتها؟؟ والوضع الطبيعي وفي دول العالم نرى الحكومات تتغير انتخابا أو تعيينا لتسجل إنصافا وخدمة للمواطن أفضل من سابقاتها. هل هي مؤامرة ــــ رغم إيماننا الضعيف بنظرية المؤامرة ــــ من الداخل والخارج معا لا تقوى الحكومات المهترئة ترفا على البوح بها وكشفها؟؟ لماذا الحديث عن وجود استهداف للأردن ونظامه وشعبه لا نسمعه إلا عند الأزمات وفي سياق أحاديث المسؤولين طلب العون واللجوء للتهدئة من قبل الشعب؟؟ لماذا التطرق لوعي المواطن وإشراكه بالمسؤولية لا يذكر إلا عندما تريد الحكومة اتخاذ قرار تعلم أنه سيقصم ظهر المواطن؟؟ لماذا استجداء تحمل المواطن لا يظهر إلا عند الشروع بابتزازه وزيادة أعبائه؟؟ لماذا تتوقعون من المواطن التعاون والتفهم والرضا عندما تصطدمون بنتائج تلاعب الفاسدين والذين تجردوا من الضمير والدين وإنسانية البشر؟؟ أين أنتم منهم وأنتم ترونهم بعيونكم وترون ما يقرروه ويوقعوا على بيعه؟؟
هل هو سوء الإدارة الذي أدى بالكثيرين من حاملي الثقة المطلقة لاتباع سياسة "أضرب واهرب"؟؟ ربما نختلف على الإجابات لهذه التساؤلات لكننا حتما نجمع ونتفق جميعا على وجود الفساد ولا فساد بدون فاسدين. ونعلم أن عدم محاسبتهم يعني التستر عليهم والتستر بدوره يعني ذبح الوطن والمواطن والأخير بدوره يعني أن هناك مخطط نعيش أحد مراحله. هناك حلقة مفقودة تؤشر على غياب الإرادة للتغيير الإيجابي والإصلاح المطلبي والمحاسبة العادلة والرقابة الصارمة وكل ذلك مرده لضعف أو انعدام الشعور من القائمين على إدارة الدولة بالمواطنة الأردنية والإنتماء لتراب الأردن.
إذا المعنيون يغفلون بعض الحقائق, نذكرهم أن القوات المسلحة من وإلى الشعب ورجال الأمن والدرك من وإلى الشعب والمخابرات كذلك. وكل هؤلاء إخوان وأقارب لمن يصرخون طلبا للإنصاف والعدالة وهم جزء من الأسر والعائلات التي يلحق بها الأذى ويتأثرون بنفس المؤثرات. ونذكر صناع القرار أن الجيش هو الذي يحسم المواقف الصعبة ولنا عبرة من الدول التي مر بها الإنفجار العربي, فهل أخذتم هذا بالحسبان أيها المقررون؟؟ نضرع إلى الله ألا يصل الأردن وشعبه الغيور ونظام حكمه الهاشمي لما وصلت إليه تلك الدول. وأولي الأمر مدعوون للتروي والتحلي بالحكمة ودراسة الواقع دراسة دقيقة تهدف للصالح العام للأردن وليس الصالح الخاص للخاصة لترضي نفسها على حساب المواطن.
المواطن, أيها السادة, لم يعد لديه ما يخشاه من شدة صلفكم واستمرار تحديكم ولم يعد لديه القدرة على تحمل طعناتكم التي نالت من كل أجزاء جسمه. لكنه يحيا بكرامته التي بذلتم جهدكم للنيل منها وما زال متمسكا بحب أردنه وقد حاولتم قتل هذا الحب عندما أفقرتموه وتعلمون أن وهج الحب يخبو مع الفقر. وهو يعي ويدرك أن تغنيكم بوعيه كلمة حق يراد منها باطلا. والتحايل والتخدير والتذلل للمواطن على شاشات الفضائيات لم تعد تجد لديه أذان صاغية لأنه لا ثقة لديه بكم ولم يعتد منكم صدقا ولم يعد يقتنع أنكم تعملون لصالحه مهما بلغ بكم دهاؤكم ومهما استخدمتم من أدوات الإقناع.
إن أرادت الحكومات الكرتونية أن تجد مخرجا لنفسها وللشعب من دوامة التصادم والإحتجاج والهيجان فعليها بالعمل لتحقيق الأمور التالية على أرضية واقعية ملموسة تبين جديتها وعزمها على إيجاد حلول ومخارج بعيدا عن جيب المواطن. ومن هذه الأمور:
التوقف عن نهج الإستهتار والإستخفاف بعقلية المواطن والتعامل معه كبشر لديه القدرة على التمييز بين صالحه وطالحه.
جلب الفاسدين والتحقيق معهم ومعاقبة كل من تثبت عليه تهمة الفساد وإسترداد ما سلبه .
تقدير نتائج أية قرارات تنوي الحكومه إتخاذها .
محاولة اللجوء لقرارات وسطية تبتعد عن تأجيج الشارع .
لا يكفي الإعتراف بأن قرارا ما لم يكن بصالح المواطن ، بل العمل على الرجوع عنه أو تعديله للتخفيف من أضراره .
تحري النزاهة ونظافة اليد عند التعيين وخصوصا بالمواقع ذات القرارات التي تمس الوطن والمواطن .
اعادة النظر بالرواتب الفلكية للوزراء والنواب والأعيان وأصحاب المواقع العليا .
محاربة المحسوبية والشللية والجهوية بالتعيينات إذ هذا النهج يرضي أشخاصا أو جماعات على حساب أصحاب الكفاءة والإستحقاق .
وقف التوريث ووقف تعيين مزدوجي الجنسية.
حسن اختيار أصحاب المناصب الرفيعة ليكونوا من رحم الشعب الكادح وليس من الطبقة العاجية.
وقف أو تقليص الإمتيازات السخية ومخصصات الضيافة والمكاتب.
تفعيل دور ديوان المحاسبة لضبط المصروفات ومنع هدر المال العام.
إتباع سياسات من شأنها خدمة الأردن والشعب وليس خدمة وحماية لمصالح دول أخرى.
العمل على رفع المستوى المعيشي للقوات المسلحة والأجهزة الأمنية ويتحقق ذلك برفع الرواتب وتوفير الإمتيازات والحوافز التي من شأنها أن تكرس وتعزز الإنتماء والتفاني للخروج من حالة التململ والتذمر السائدة بين كل أطياف الشعب .
" وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون " .
وحمى الله الأردن والغيارى على الأردن . والله من وراء القصد .
ababneh1958@yahoo.com