استقالة عباس خطوة لتعزيز النصر الفلسطيني

لن يجد الرئيس الفلسطيني توقيتا مثاليا لنهاية تاريخه السياسي افضل من هذا التوقيت على الاطلاق , فأفضل الانسحابات تلك التي تأتي على قمة نصر , وهو انجز مساء الخميس نصرا سياسيا لن يصل الى اعلى منه على ارض الواقع الفلسطيني .

الرئيس محمود عباس اثبت انه عصي على الرضوخ لتعليمات الغرب بقيادة الولايات المتحدة واشتراطات اسرائيل , وقاد خطوة سياسية بدعم من فصائل المقاومة الفلسطينية الخارجة لتوها من معركة غزة , التي اثبتت ان المقاومة ابرز سلاح سياسي اذا ما تم التناغم الوطني , وهذا التناغم حصل بعد تصريحات رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل الذي أيد خطوة عباس ودعمها .

عباس الذي بلغ من العمر ما يجعل من انسحابه السياسي خطوة سياسية بإمتياز تضع اسمه في سجل الزعماء الوطنيين , عليه ان يعلن عن انتخابات رئاسية سريعة , وقبلها يفتح باب المصالحة الوطنية ويقوم بزيارة غزة كرئيس فلسطيني لكامل الشعب الفلسطيني , ومنها يعلن انسحابه ودعوته لانتخابات شاملة للرئاسة وللمجلس التشريعي .

الخطوة السياسية لن تنعكس على الواقع الفلسطيني إذا لم تنجز المصالحة وبعدها تنطلق الفرق القانونية والسياسية لملاحقة قتلة الكيان العبري ومحاسبتهم امام المحافل الدولية التي انفتحت ابوابها امام الدعاوى الفلسطينية بعد قرار الجمعية العامة للامم المتحدة بقبول فلسطين كعضو مراقب , ويترك عباس هذا المضمار لجيل جديد يتقن هذا الامر , كما اثبت جيل المقاومة الجديد انه قادر على تحقيق اختراقات هائلة في صفوف العدو الصهيوني بإتقان .

العالم كله ذهب الى جيل جديد للقيادة , وادوات جديدة للحكم , لا يتقنها جيل الرواد مع شديد الاحترام لتاريخهم ودورهم , لكن دوران العجلة السياسية وتسارع دوران العجلة التقنية , افرز واقعا جديدا لا يمكن ان تغفله الحالة الفلسطينية.

عباس امس الاول انجز ما عليه , ووضع القاطرة الفلسطينية امام مسارات جديدة , فرضتها ابتداءً المقاومة الفلسطينية في غزة , وتصاعد وتيرة التأييد العالمي الشعبي والرسمي للقضية الفلسطينية وإدانة الكيان الصهيوني وجرائمه التي باتت بفضل التطور التقني مشاهدة داخل كل بيت في العالم , وتلك ادوات جديدة لا يتقن عباس وجيله التعامل معها , كما ان الحالة القانونية تتطلب ارادة سياسية نجح عباس في فرضها واقعا فلسطينيا , كما نجحت المقاومة في فرض واقعها الجديد , وهذا محكوم بشرط انجاح المصالحة الفلسطينية على الارضية الثنائية " المفاوضة والمقاومة " ضمن مشروع وطني فلسطيني كامل .

المصالحة الفلسطينية المطلوبة ليست مصالحة فصائلية او بين فصيلين , بل مصالحة شاملة على ارضية وطنية فلسطينة قائمة على ساقي المقاومة والمفاوضة , تمنح الخطوة الفلسطينية زخما ودعما , وأن يُعاد توحيد الشتات مع ملفه الوطني الفلسطيني , فالقضية الفلسطينية تدخل اليوم منعطفا تاريخيا , يستنهض الحالة الوطنية بعمومها في الداخل والخارج , والمصالحة المطلوبة مصالحة وطنية على ارضية المشروع الوطني الفلسطيني القائم على تحرير الارض والانسان في دولة فلسطينية مستقلة على الاراضي المحتلة عام 1967 وعاصمتها القدس الشريف , وهذا هو البرنامج المرحلي الذي وافقت عليه كل فصائل المقاومة الفلسطينية بما فيها حركة حماس حسب تصريحات مشعل الاخيرة .

عباس نجح ولكنه الان مطالب بخطوة وطنية فلسطينية , تعطي الملف الفلسطيني زخمه الحقيقي , وأظن ان الاستقالة والدخول في المصالحة وإفراز قيادة جديدة , سيشكل دافعية قوية للوطن الفلسطيني وقضيته الكبرى , وكذلك فإن استقالته ستكون استفتاءً شعبيا عليه وربما تقرر منحه الفرصة التالية مع تغيير في ادوات الحكم داخل السلطة الفلسطينية وتركيبة منظمة التحرير الفلسطينية , التي بات مرفوضا عدم تمثيلها الكامل لكل الطيف الفلسطيني السياسي والمقاوم .