اعتذار إلى يافا!
لن أخفي فرحي المتواضع جدا بقرار الأمم المتحدة، نقل فلسطين من عضو مراقب، إلى دولة/ عضو مراقب، فلسطين ليست دولة، فلسطين عالم مليء الدهشة، والمعاناة، والتاريخ الدامي، فلسطين أكبر بكثير من دولة ليس بالنسبة للفلسطينيين فحسب، بل لملايين العرب والمسلمين والناس في العالم كله، فلسطين حالة بلاغية أو وجدانية أو ضمير، على الأرض ربما لا يضيف القرار شيئا على الفور، ولكنه بالتأكيد سيكون له استحقاقه القانوني والسياسي، بل سيكون له أيضا دور في لم شعث الفلسطينيين أنفسهم!
بقدر ما أشعر بفرح، أشعر بحزن عميق، ففور إطلاق زغاريد الفرح، ابتهاجا بالقرار، قفز في الروح سؤال: ويافا؟ هل يعني أن الفلسطينيين تنازلوا «رسميا» عن فلسطين 48 والقبول بفلسطين 67؟ شعرت بحاجة ماسة للاعتذار، ليس ليافا فقط بل لتاريخ مضمخ بالدم والدموع، أحال حياة ملايين من الفلسطينيين إلى جحيم، ابتداء من خذلان وإذلال ذوي القربى، وتحميلهم «جمايل» لا حدود لها (مع أنهم هم من حالوا دون قيام دولة فلسطين، ودعموا قيام نقيضها!) وانتهاء بتآمر دولي على دولة هي قائمة بحكم القانون الدولي نفسه، الذي يعترف به الحقوقيون الأجانب أنفسهم، ومن هؤلاء، باحث محترم اسمه جون كويغلي، درس الحقوق في جامعة هارفارد الأميركية، وفي كلية موريتس للحقوق في جامعة ولاية أوهيو، وهو خبير في القانون الدولي، وألف في ذلك أهم كتاب في هذا الباب، وخلاصته أن ثمة قرائن تعود إلى عصبة الأمم صاحبة قرار الانتداب في العام 1924 حول هوية فلسطين كدولة، حيث يرى المؤلف أن كل ما حدث لاحقا لم يغيّر من الوضع القانوني لدولة فلسطين، ولا من حقها في استقلال، فإعلان قيام «دولة» إسرائيل على جزء من أراضي فلسطين، وخضوع الأجزاء المتبقية بعد العام 1948 إلى الإدارتين المصرية والأردنية، ثم وقوع المناطق الفلسطينية كافة بعد العام 1967 في قبضة الاحتلال الإسرائيلي، لم يغيّر من الوضع القانوني للدولة الفلسطينية المُعترف بها منذ العشرينيات، والتي تغيّرت طبيعة جزء من أراضيها نتيجة الاحتلال، إذن هي دولة، حتى وفق القانون الدولي، ولكن الملف كله ليس قانونيا، لأن القانون ينفذه الساسة، والساسة ينفذون تعليمات البندقية!
على الجانب الآخر، نظروا للمشهد من زاويتهم، يديعوت احرونوت مثلا، كتبت أمس:
الأمم المتحدة تقرر: دولة فلسطين – التصويت التاريخي 138 دولة أيدت مشروع القرار و9 عارضت و41 امتنعت . الصفعة المؤلمة لإسرائيل حتى ألمانيا رفضت طلب إسرائيل معارضة مشروع القرار وامتنعت، الفشل السياسي – نتنياهو لم يع حدة الغضب الدولي على إسرائيل واختار أن يمرّ مرور الكرام على الخطوة الفلسطينية!
هآرتس لم تذهب بعيدا، لكنها أضافت رؤية أخرى: العالم يقرر- يعد مرور 65 عاما على قرار التقسيم صادقت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية ساحقة على الاعتراف بدولة فلسطينية غير عضو في حدود 67 / هزيمة سياسية لإسرائيل – حتى الدول الصديقة لها في أوروبا صوتت إلى جانب مشروع القرار، الولايات المتحدة تعرب عن معارضتها للتوجه الفلسطيني إلا أنها لا تفعل بقوة لمنع قبول القرار/ أوباما يعمل بصورة هادئة وحازمة بينما نتنياهو لم يعد يستطيع إملاء سياسته على واشنطن!
أشياء صغيرة، تركز عليها صحافتهم، هكذا تبدو، ولكنها بكل المفاهيم ليست كذلك، ثمة واقع جديد يتم فرضه، لسببين اثنين: ثورات الربيع العربي، وبالتزامن صحوة المقاومة وإنجازات الصواريخ، إن «دولة يهودية «نموذج!» تعلن أن ربع سكانها تحت خط الفقر، جديرة بأن تشعر أن عمرها الافتراضي بدأ ينفد، وفي المقابل ثمة أمة جديدة (أنهكها أبناؤها العاقون!) بدأت تولد من جديد!