سامي مثقال الفايز..وداعاً

عرفته قليلاً فعرفته كثيراً.فقد التقيته ثلاث مرات وكان ذكره قد سبقه والمناسبات لصلح أو لإغاثة ملهوف أو لسعي بين الناس بالخير..

وضع والده مثقال فيه سرّه وقد كان يرافقه حيث كان يحل زعيم بني صخر «راعي البلها» ولما مات مثقال الذي تخطى ذكره وأثره أم العمد وشرق الأردن وفلسطين إلى مصر وسوريا ومناطق أخرى برز نجم ابنه سامي الذي قال فيه الشاعر:

مثقال ذكرك في الكرم ما مات....ما دام سامي رافع الرايات

ففي الوقت الذي انصرف فيه الأخ الأكبر عاكف إلى العمل العام في الحكومة ومجلس النواب ليمثل بني صخر والفايز تحديداً ظل سامي شيخاً في العشيرة إلى أن دخل مجلس الأعيان لمرتين أولاهما في 1993 وثانيهما في عام 1998..

كان في مطلع شبابه يرافق والده إلى مقر الأمير عبد الله بن الحسين ويجالس معه حاشية الأمير ويستمع لنقاشاتهم وكان والده يأخذه معه إلى القدس التي ظل يحمل منها ذكريات طفولية ما زال يحدث فيها من يجالسه..

كان سامي الفايز صاحب حضور نافذ وكانت شخصيته تشيع الراحة في ضيوفه وزواره..كان حازماً حيث يكون الحزم ومتسامحاً حين يكون التسامح قدرة ومروءة..

راى والده كيف يعمل في الصلح وفي رد الغارة وفي إغاثة الملهوف وفي تحشيد بني صخر وظل سامي يؤكد في سنواته الأخيرة انه لا يقبل في الوطن وجهة نظر حين يحاول البعض الإرتجال والاجتهاد فيأتي صوته حاسماً أن الوطن لا يحتمل الاجتهاد والارتجال ووجهات النظر فهو فوق ذلك كله..وتلك كانت مهمته حين كان يتحدث للشباب في أم العمد وخارجها للذين كانوا يقصدونه لاختلاط الأمور عليهم..

في يوم مولده كان «شق» مثقال الفايز قد استقبل (12) من ثوار فلسطين الهاربين من الإنجليز فأكرم مثقال وفادتهم وترك منزله ليؤمنهم إلى الشام التي كانت تحت سيطرة الفرنسيين ويعود في اليوم التالي..

كانت علاقته مميزة مع شقيقه عاكف وكان موقع احترام كبير من أشقائه الذين يصغرونه والذين كانوا ينظرون إليه نظرة تقدير خاصة كما لو كان والدهم..

في الأعيان كان قليل الكلام..صاحب مبادرات وكان يرى أن الوطنية لا تحتاج إلى شعارات وأن الدفاع عن الوطن يبدأ من خلال الحفاظ على سمعته والحرص على مصالحه الوطنية..

وكان ابن أخيه دولة فيصل الفايز يرى فيه انه بمثابة والده يراجعه في القرارات الهامة ويستمع لنصائحه حتى حين كان رئيساً للوزراء فقد كانت عباءة سامي الفايز تحتوي كل الفايز وتمتد بالاحترام إلى كل بني صخر الذين كانوا يقرون بزعامته ومشيخته ويرون في كرمه ونخوته أوراق اعتماده لديهم..

كان يحذر من تحول المجتمع الأردني وخاصة مجتمعات البادية إلى مجتمعات استهلاكية سريعة العطب، ويرى ضرورة أن يحافظ الأردن على أرضه وتقاليده وزراعته وتربية مواشيه وأن لا تأخذه أسباب الحضارة بعيداً عن جذوره وتربيته ..وقد أعجبتني رؤيته في هذا السياق حين كان يشفق على أرض عمان الزراعية الخصبة وهي تتحول إلى غابات من الإسمنت أو تنتزع لتتحول إلى مواقع استهلاكية..

احتفظ سامي الفايز من موقعه كشيخ مشايخ بني صخر بعلاقات مميزة مع شيوخ قبائل عربية عديدة كانوا يزورونه ويزورهم وظل يرى أن الملكية في الأردن جامعة وأن الخروج عليها أو المس بها هو اضاعة للهوية وضرب للوحدة الوطنية ..كان يقول كلماته ببساطة بعيداً عن التنظير ومن خلال نفس وطني عميق بعيداً عن التزلف أو المحاباة أو محاولة كسب هذا الطرف أو ذاك...

أجلسني معه شقيقه الأستاذ طراد الفايز حين كان طراد مسؤولاً في الاعلام لأطلع على رؤية أردنية صافية في التركيبة الاجتماعية الأردنية التي ظلت تحتفظ بولاء لا تشوبه شائبة وكان طراد يقول : «إذا أردت أن تعرف الحقائق فاستمع لأخي سامي فهو يعطيك اتجاه البوصلة»..

الراحل سامي ترك من الأولاد محمد وحابس وهايل وتركي وفواز وعلي وهم يحملون اسمه وقد أبروّا به وظلّوا له سنداً وظل لهم معلماً..وحين رحل زحف الكثيرون في المملكة ومن عمان لوداعه في الدفن والعزاء فقد كان فارساً من الفرسان القلة الذين ما زال التراب لم يستقبلهم وقد عزّ نظيرهم..في زمن أحوج ما ننشد فيه «وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر» حين نودع علماً من أعلامنا وشخصية محبة من أبناء الوطن...